نذهب (٢٠)، يضاف إلى هذا إن إخفاق الحروب الصليبية قد خلف في النفوس دهشة أخذت تتناقص على مهل يقول أصحابها كيف سمح رب المسيحية بأن ينتصر الإسلام وكان استيلاء الأتراك على القسطنطينية مما قوى هذه الشكوك، وكانت كتابات نقولاس الكورائي ١٤٣٢ ولورند سوفلا ١٤٣٩ التي قالا فيها إن "هيبة قسطنطين" زيف وزور، مما حط من مكانة الكنيسة وأضعف ما تدعيه لنفسها من سلطان زمني. وفوق هذا كله فإن اكتشاف الكتب اليونانية والرومانية القديمة ونشرها كان سبباً في تقوية الشكوك لأنه كشف عن عالم من العلوم والفنون ازدهرت قبل مولد الكنيسة المسيحية وهي التي أنكرت في مجلس لا تيران الخامس ١٥١٢ - ١٥١٧ إن النجاة غير مستطاعة خارج حظيرتها (٢١) كذلك أزاح كشف أمريكا وارتياد بلاد الشرق ارتياداً آخذاً في الاتساع، أزاح هذا وذاك الستار عن مائة أمة كانت ترفض الإيمان بالمسيح أو تتجاهله وكانت لها أديان أخرى لا تقل عن المسيحية إيجابية أو تأثيراً من الناحية الخلقية وجاء الرحالة العائدون من بلاد "الكفرة" ببعض العقائد والطقوس التي أخذت تنازع العبادات والعقائد المسيحية فأخذت هذه العقائد المتنافسة تصطرع في الأسواق وفي الثغور.
ثم إن الفلسفة نفسها التي كانت في القرن السادس عشر خاضعة لسلطان الدين وخامة طيعة له همها كله أن تجد أسباباً يقبلها العقل لمبادئ الدين القويم، قد حررت نفسها في القرن الرابع عشر على أيدي وليام الأوكهامي ومرسليوس من أهل بدوا وأصبحت في القرن السادس عشر فلسفته زمنية جريئة تجهز بتشككها بقيادة بمبو منشي ومكيافلي وجوتشياردين. وقد أذاع مكيافلي قبل أن يكتب لوثر رسالته بأربع سنين نبوءة فزع منها القوم قال:
"لو أن الدين المسيحي قد احتفظ به كما صدر عن مؤسسه لكانت دول العالم المسيحي أكثر اتحاداً وأعظم سعادة مما هي الآن وليس أدل على ضعفه