من بطرس إلى رجال الدين بمقتضى هذه السلطات أن يغفروا للتائب المعترف بذنوب خطاياه وما يترتب عليها من عقاب في نار جهنم، ولكنهم لا يعفون أولئك المذنبين من التكفير عن خطاياهم أثناء حياتهم على ظهر الأرض. على أن الذين يستطيعون أن يثقوا بأنهم يموتون بعد أن يكفروا التكفير الواجب عن ذنوبهم كلها ليسوا إلا قلة صغيرة من الناس مهما اعترفوا بذنوبهم وطهرهم هذا الاعتراف، إن الذين يستطيعون أن يثقوا بذلك هم قلة صغيرة من الناس، أما الباقون فلابد أن يكفروا عما بقي من ذنوبهم بأن يقدموا عدداً من السمين في المطهر، الذي أوجده الإله الرحيم ليكون جحيماً مؤقتاً لهؤلاء المذنبين. لكن ثمة طائفة كبيرة من الأولياء الصالحين قد كسبوا بفضل خشوعهم وتقواهم واستشهادهم في سبيل الدين من الفضائل ما نرى في أكبر الظن زيادته على ما كفروا به عن ذنوبهم. وقد خلف المسيح وراءه بموته قدراً لا يحصى من الفضائل، وهذه الفضائل كما تقول الكنيسة، يمكن أن تعد بمثابة كنز يستمد منه البابا ما يشاء ليمحو جزءاً من الآثام التي ارتكبها الناس في الدنيا. ولم يكفروا عنها كل التكفير. وكانت الكفارة التي تضعها الكنيسة تتخذ في العادة صورة تكرار بعض الأدعية أو إخراج الصدقات أو الحج إلى بعض الأضرحة المقدسة، أو الاشتراك في حرب صليبية ضد الأتراك أو غيرهم من "الكفرة". أو التبرع بالمال أو العمل لبعض المشروعات الاجتماعية كتجفيف مستنقع، أو إنشاء طريق، أو بناء قنطرة، أو مستشفى، أو كنيسة. وكان استبدال غرامة مالية (فدية) بالعقاب البدني سنة مألوفة من عهد بعيد في المحاكم المدنية، ومن ثم فإن تطبيق هذه الفكرة على صكوك الغفران لم يغضب الناس في بادئ الأمر. وكان التائب المعترف، إذا أدى هذه الفدية أي إذا خرج عن بعض المال-لنفقات الكنيسة تسلم صك غفران جزئي أو كلي، ولم يكن هذا الصك يجيز له أن يرتكب ذنوباً جديدة، بل يمكنه من أن ينجو يوماً،