ولم يحتفظ من الخدم إلا بالنفر الذين كانوا معه في النفي، ولا يأكل من الطعام إلا بمقدار ما يتاح لأحد الفلاحين، ولم يكن مظهره ينبئ عن شيء، وإن كان ملكاً في كل شيء.
فلقد أخضع كل عنصر في شخصه لأرادته المصممة، وكان على فرنسا، أن تتحول بمطرقتهِ، من التمزق الإقطاعي إلى وحدة ملكيو ودولة موحدة، إذ يجب على هذه الحكومة الملكية المركزية أن ترفع فرنسا من رماد الحرب إلى حياة جديدة وبأس جديد، ووقف لوس فكره أثناء الليل وأطراف النهار، على هدفه السياسي، بعقل واضح ماكر، لا يهدأ، مثله في ذلك مثل قيصر، يرى أنه ما من شيء يتحقق، ما دامت له بقية تحتاج إلى عمل. "أما السلام فلا يكاد يحتمل مجرد التفكير فيه"، كما قال كومينيس. ومع ذلك فلم يكن موفقاً في الحرب، وآثر الدبلوماسية والتجسس، والرشوة على استعمال القوة، وجمع الناس حوله لتأييد أهدافه بالإقناع والتملق والتخويف، واحتفظ بحشد كبير من الجواسيس في خدمته في داخل البلاد وخارجها، وكان يدفع مرتبات سرية بانتظام لوزراء ملك إنجلترا ادوارد الرابع. ويستطيع أن يستسلم ويحتمل الإهانة ويتظاهر بالخضوع، وينتظر فرصة للنصر أو الانتقام. ووقع في أخطاء جسام، ولكنه تخلص منها ببراعة مذهلة غير هيابة. ولقد عني بكل ما يتصل بالحكومة من تفاصيل، ولم يكن ينسى شيئاً. وادخر مع ذلك فسحة من الوقت للآداب والفن، فقرأ بنهم، وجمع المخطوطات، وفطن إلى الثورة التي ترهص بها المطبعة، واستمتع بصحبة المثقفين، وبخاصة إذا كانوا "بوهيميين" بالمفهوم الباريسي. وانظم وهو في منفاه بفلاندرز إلى كونت شاروليه، في تأليف أكاديمية للعلماء، الذين أساغوا حذلقتهم بحكايات مرحة على منهج بوكاشيو، ولقد جمع انتوان دي لارسال، بعضها في مصنفه "مائة حكاية جديدة" واشتدت وطأة الملك على الأغنياء، ولم يحفل بالفقراء، وكان