موطن المؤلف: برجنديا أو بريتاني أو بروفانس. وكأنما أثرها فيليب دي كومين على اللاتينية، ليثبت أن الفرنسيين قد نضجوا، وسجل بها مذكراته. وا"تعار لقبه من كومين في فلاندر"، حيث ولد. وهو من أ"رة ممتازة، لأن الدوق فيليب الخامس كان اشبينه، ونشأ في البلاط البرجندي، ولما بلغ السابعة عشر (١٥٦٤) كان بين موظفي كونت شاروليه. حتى إذا أصبح الكونت، شارل الجسور، وأسر لويس الحادي عشر في بيرون، لم يرضَ كومين عن سلوك الدوق، ولعله تنبأ بسقوطه، فتحول راشداً إلى خدمة الملك. فجعله لويس حاجباً له وأسبغ عليه الإقطاعيات، وأرسله شارل الثاني في وفادات دبلوماسية هامة. وأنشأ كومين في الوقت نفسه أثرين كلاسيين من الأدب التاريخي: أحدهما مذكرات وتاريخ الملك لويس الحادي عشر، وثانيهما تاريخ الملك شارل الثامن-وهما سرد نثري بلغة فرنسية واضحة بسيطة كتبهما رجل عرك الدنيا وشارك في الأحداث التي وصفها.
وهذان الكتابان شاهدان على الثروة غير العادية الأدب الفرنسي في المذكرات. ولهما أخطاؤهما: فالحرب تكاد تستغرقهما وليس فيهما من الطرافة والحياة ما في فرواسار أو فيلاارودين أو جوانفيل، وفيهما كثير جداً من عبارات حمد الله والثناء عليه، ذلك عند الإعجاب بسياسة لويس الحادي عش الغاشمة. وكثيراً ما ينقطع عن السرد ويتعثر في سقطات من اللغو. وعلى الرغم من هذا كله فإن كومين هو أول مؤرخ فلسفي: فهو يبحث عن العلاقة بين العلة والمعلول، ويحلل الشخصيات والحوافز والمزاعم ويحكم على الأخلاق حكماً موضوعياً ويدرس الأحداث والوثائق الأصلية ليوضح طبيعة الإنسان والدولة. ولقد سبق بهذه الملاحظات ميكافلي وجويكشيارديني في تقديره المتشائم للإنسانية في قوله: "لا الفعل الفطري، ولا معرفتنا، ولا حبنا لجارنا ولا شيء آخر غير هذا، يكفي دائماً لأن يمنعنا من استعمال العنف بعضنا مع بعض أو يحول بيننا وبين الاحتفاظ