ولما ذهب "دورد"(١٥٢٠) وهلبين (١٥٢٦) إلى أنتوب قدماً إلى ماسيس أسمى أيات الإجلال باعتباره عميد الفن الفلمنكي.
ومع ذلك فقد ظهر في الوقت نفسه في برابانت، أكثر الفنانين أصالة وعبثاً في التاريخ الفلمنكي. ونحن نجد في آثار ماسيس-كما في الغوغاء بنظراتهم الشذراء في "إظهار المسيح للناس"(مدريد) أو الوجوه الدميمة في صورة "عبادة المجوس"(نيويورك) -الوجوه الشوهاء القاسية كالتي صورها ليوناردو في عبثه الساخر بقلمه. ووفق هيرونيمس بوش في استغلال هذه الأضاحيك. ولقد ولد، وأنفق الشطر الأكبر من حياته في بو-ل-ديك (في شمالي برابانت، وهي الآن هولندة الجنوبية)، وأصبح يعرف بصفتها الفلمنكية "هيرتوجنبوش" واختصر أخيراً إلى بوش. وظل يصور الموضوعات الدينية المألوفة فترة من الزمان، واقترب في بعضها كما هو الحال في "عبادة المجوس في مدريد" من العادية. ولكن إحساسه بالمضحك أخذ يسيطر على خياله وفنه. ولعله ارتاع في طفولته من حكايات القرون الوسطى عن العفاريت والأشباح، وعن الشياطين تخرج من وراء كل صخرة، أو تبرز من كل شجرة، وأضحى الآن يستطيع أن يرسم هذه المردة رسمياً كاريكاتورياً، في هجاء يشفى نفسه منها. ويبعدها عن عقله بالمضحك منها. وأنكر بحساسية الفنان وصمات الإنسانية-الشاذ أو الدميم أو المشوه-والتقطهم في مزيج هستيري من الغضب والسرور. بل إنه في المشاهد الرعوية كما في صورة "المولد"(كلونيا)، فإنه يجعل الصدارة لأنف بقرة، وفي "عبادة المجوس"(نيويورك) يختلس الفلاحون النظر من النوافذ ومن الطرقات المسقوفة تحت القناطر، إلى العذراء وطفلها. ومع ذلك فقد رسم في هذه الصورة الأخيرة بحذق يبلغ حد الكمال، صورة جليلة للقديس بطرس، وملكاً زنجياً، يضع وقاره المهيب سائر الشخوص تتضاءل. ولما كان بوش قد بدأ بقصة المسيح، فقد أظلم صوره بوجوه