للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمدافع عن نفسه وهو الذي سبق أن عد مذنباً، فقد يكسبه بالاعتراف عقاباً أخف، بل أنه إذا حكم بإعدامه بعد اعترافه يحصل من قسيس على المغفرة تنجيه من الجحيم؛ ومع ذلك، لم يكن الاعتراف بالذنب كافياً، فقد يلجأ إلى التعذيب مع مدافع عن نفسه لإكراهه على ذكر شركائه في الهرطقة أو الجريمة. وربما عذب الشهود المتناقضون للكشف عمن يذكر الحقيقة منهم؛ وقد يعذب العبيد ليقيموا الدليل على ساداتهم. ولم يكن هناك حد في السن ينقذ الضحايا، ذلك أن فتيات في الثالثة عشرة ونسوة في الثمانين قد ألزمن العذراء (١)، بيد أن قواعد محكمة التفتيش الأسبانية حرمت التعذيب بالنسبة للمراضع أو ذوي القلوب الضعيفة أو المتهمين بهرطقات صغيرة كالأخذ بالرأي الشائع الذي يقول إن الزنا خطيئة صغيرة يصفح عنها. ويجب أن يحال بين التعذيب وبين إصابة الضحية بعاهة مستديمة، ولا بد أن يوقف كلما أمر الطبيب المسئول، ولا ينفذ إلا بحضور قضاة التفتيش المنوط بهم القضية، وأحد الأعيان وكاتب للتسجيل وممثل للأسقف المحلي. واختلفت الوسائل باختلاف الزمان والمكان. وقد توثق يد الضحية خلف ظهرها ويعلق منهما أو يربط وثاقه حتى يعجز عن الحركة تماماً، ثم يقطر الماء في حلقه حتى يشرف على الاختناق؛ وقد تربط يداه ورجلاه بالحبال ربطاً وثيقاً حتى تقطع اللحم إلى العظام. ولقد أنبئنا أن وسائل التعذيب التي استعملتها محكمة التفتيش الأسبانية كانت أخف مما استخدمته محاكم التفتيش البابوية السابقة، أو مما توسلت به المحاكم المدنية في ذلك العصر. وكان أهم وسائل التعذيب السجن الطويل الأمد.

ولم تكن محكمة التفتيش تتألف من مدع وقاض ومحلفين فقط، ولكنها أصدرت أيضاً أوامر خاصة بالعقيدة والأخلاق وأنشأت مراتب للعقوبات وكانت رحيمة في معظم الأحوال، وتتسامح في جزء من العقوبة بسبب


(١) وهي آله تعذيب تمط الجسم.