والذرة. وأدى تدفق الذهب والفضة إلى رفع الأسعار وتشجيع أصحاب المصانع وإنهاك قوى العمال وزيادة الدائنين والإقطاعيين وأثارت في أسبانيا حلم السيطرة على العالم وقضت عليه.
ولم تكن الآثار الأدبية والذهنية لهذه الاكتشافات بأقل من النتائج الاقتصادية والسياسية فقد انتشرت المسيحية فوق رقعة واسعة من نصف الكرة الأرضية وكسبت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية من الأنصار في العالم الجديد أكثر مما سلبهم منها الإصلاح الديني في العالم القديم. وتلقفت أمريكا اللاتينية اللغتين الإسبانية والبرتغالية اللتين أثمرتا أدبا قويا مستقلا. ولم تتمسك أخلاق الأوروبيين بهذه الاكتشافات إذ تدفقت وحشية الأوربيين، التي لا تخضع لقانون، إلى أوربا مع البحارة والمستوطنين العائدين وجاءت بالإفراط في العنف والشذوذ الجنسي. وتأثر الفكر الأوروبي كثيراً بالكشف عن هذه الشعوب والعادات والمعتقدات الدينية الكثيرة وعانت المذاهب الدينية من الاحتكاك المتبادل بل إنه في الوقت الذي كان البروتستانت والكاثوليك يشتبكون في حروب مدمرة من أجل مذاهبهم المتخاصمة فإن هذه المذاهب كانت تذوب في الشكوك التي يثيرها التثقيف وما يستتبع ذلك من تسامح.
يضاف إلى كل هذا أن الاعتزاز بالعمل الفذ ألهم العقل البشري في اللحظة التي كان فيها كوبرنيكوس على وشك أن يقلل من الأهمية الكونية للأرض وسكانها إذ شعر الناس أن شجاعة العقل البشري قد تغلبت على دنيا المادة. وأنكر الاختصار والشعار السائد في القرون الوسطى لجبل طارق- لا شيء خلفه - وأصبح هذا الشعار الآن - خلفه الكثير - وزالت كل الحدود وأصبح العالم مفتوحا وبدا كل شئ ممكنا. والآن بدأ التاريخ الحديث بموجة طاغية تتسم بالإقدام والتفاؤل.