هذا أن يرفع ألمانيا إلى مستوى إيطاليا في التعليم والآداب، فوضع خططا لإنشاء نظام المدارس العامة، وأسس جمعيات من المتعلمين، وأدرك مع ذلك مدى الخطورة إذا تحقق التقدم الفكري دون أن يصحبه تطور أخلاقي. وتساءل قائلا:"ما فائدة تعليمنا إذا كانت أخلاقنا غير شريفة بفعل التناظر أو صناعتنا كلها لا تقترن بالورع، أو معركتنا كلها لا تحث على حب جارنا، أو كانت كل حكمتنا تفتقر إلى التواضع؟.
ويعد جوهانس تريثميوس راهب سبونهايم آخر علماء الإنسانيات المحافظين وهو الذي كتب عام ١٤٩٦: "لقد ولت إلى غير عودة أيام تشييد الأديرة، أما أيام هدمها فآتية لا ريب فيها". ووصف سلتس، وهو عالم إنسانيات أقل إخلاصاً زميله تريثميوس بأنه "زاهد في الشراب، يزدري لحم الحيوان ويعيش على الخضر والبيض واللبن، كما كان يفعل أسلافنا في الوقت الذي … لم يكن هناك أطباء يشرعون في تركيب أدوية لداء النقرس والحمى". وأصبح في خلال حياته القصيرة متفننا في علوم جمة، بارعا في اللغات اللاتينية واليونانية والعبرية وآدابها، وقد قام بمراسلة أرازموس وماكسمليان والأمراء الإمبراطوريين المختارين، وشخصيات مشهورة أخرى وفسر عامة الناس في هذا العهد معارفه المكتسبة على أساس نظرية تذهب إلى أنه كان يملك قوى خفية خارقة. ومهما يكن من أمر فإنه مات وهو في الرابعة والخمسين من عمره (١٥١٦).
وكان كونرادوس سيلتس أقوى علماء الإنسانيات الألمان غيرة وأعظمهم أثراً، ولقد كان من مدينة وكأنه أديب جوال عجول يدرس في إيطاليا وبولندة وهنغاريا، ويعلم في كولونيا وهيدلبرج وكراكاو وبراغ وماينز وفيينا وانجولستادت وبادوا ونورمبرج، وكشف عن مخطوطات ثمينة كانت مهملة مثل مسرحيات هورتسويذا، وخرائط قديمة مثل تلك الخريطة