على المسافة والاتجاه وأن السكوت نصف الدبلوماسية، وأن روح الفكاهة الصريحة تكدر عبير جلال الملك. وعندما التقى به ألياندر عام ١٥٢٠ كتب إلى ليو العاشر يقول:"في رأيي أن هذا الأمير قد وهب … فطنة تفوق عمره وأنه يخفي في رأسه أكثر مما يبدو على وجهه"(٦٦). ولم يكن متوقد الذكاء إلا في الحكم على الرجال - مما يكسبه نصف المعركة، وكان يرتفع إلى مستوى الأزمات التي تواجهه بالجهد الجهيد - بيد أن ذلك كان يتكلف الكثير حقاً. ثم إن استمرار وهنه في الجسم والعقل جعله يفتر إلى أن يتأزم الموقف ويضطره إلى اتخاذ قرار حاسم وعندئذ يواجهه بعزم مفاجئ واصرار يتسم بالدهاء. كانت الحكمة تواتيه لا بالسليقة ولكن بالتجارب.
وفي الثالث والعشرين من أكتوبر عام ١٥٢٠ انطلق شارل الخامس، ولم يكن أكبر سناً من القرن الذي وجد فيه، إلى مدينة آخن بلدة شارلمان ليتوج فيها، وانطلق الأمير المختار فردريك لحضور الحفل ولكنه اضطر إلى التوقف في كولونيا بسبب داء النقرس، وهناك قدم له ألياندر التماساً آخر للقبض على لوثر، فما كان من فردريك إلا أن استدعى أرازموس وطلب منه النصيحة، فدافع أرازموس عن لوثر وأشار إلى أن هناك عيوباً صارخة في الكنيسة، وقال إن الجهود التي تُبذل لإصلاحها يجب ألا تُقمع، وعندما سأله فردريك ما هي الأخطاء الرئيسية التي ارتكبها لوثر:"خطأين: هاجم البابا في تاجه، والرهبان في بطونهم"(٦٧). وناقض صحة النشرة البابوية وقال إنه يرى أنها لا تتفق مع ما عرف به ليو العاشر من رقة الحاشية (٦٨) وأبلغ فردريك القاصد الرسولي أن لوثر قدم التماساً وأن لوثر يجب أن يظل طليقاً إلى أن يبت في هذا الالتماس.
وردّ الإمبراطور بالجواب نفسه … كان قد وعد الأمراء المختارين كشرط لانتخابه، ألا يُدان ألماني دون محاكمة عادلة في ألمانيا. ومهما يكن من أمر فإن مكانته جعلت - مذهب المحافظة على الدين لا مندوحة عنه.