وتركيزهم على الخلاص الشخصي في حياة بعد القبر، كل هذه شاركت في تنفير علماء الإنسانيات من الإصلاح الديني، فقد كان المذهب الإنساني ردة وثنية إلى الثقافة الكلاسية، أما البروتستانتية فقد كانت عودة تتسم بالورع إلى أوغسطين الحزين، إلى المسيحية الأولى، بل إلى الدين اليهودي في العهد القديم، وتجدد النضال بين الهلينية والعبرية. وكان علماء الإنسانيات قد أحرزوا تقدماً ملحوظاً داخل حظيرة الكاثوليك وقبضوا على زمام البابوية في شخص نيكولاس الخامس وليو العاشر، ولم يتسامح معهم البابوات فحسب، بل إنهم أسبغوا عليهم حمايتهم، وعاونوهم على استرداد الكنوز الضائعة من الأدب والفن الكلاسيين، وكل هذا على أساس الفهم الضمني بأن كتاباتهم سوف توجه، فرضاً باللاتينية، إلى الطبقات المتعلمة، ولن تهدم العقيدة الكاثوليكية عند الناس.
ووجد علماء الإنسانيات، وقد أزعجهم وقتذاك هذا الاتفاق الودي المريح، أن أوروبا التيتونية كانت أقل مبالاة بهم وبثقافتهم الأرستقراطية منها بالحديث الحار عن الروح للوعاظ الجدد الذين يتكلمون باللغة الوطنية، والذي يدور حول الرب والجحيم والخلاص الفردي. وسخروا من كل المناقشات المتحمسة التي ثارت بين لوثر وإيك، وبين لوثر وكارلشتادت، وبين لوثر وزونجلى، باعتبارها معارك حول نتائج، اعتقدوا أنه قضي عليها منذ عهد بعيد، أو انطوت في غمار النسيان برقة. ولم يستسيغوا اللاهوت وأصبحت السماء والجحيم أساطير بالنسبة إليهم، وأقل حقيقة من ميثولوجيا اليونان وروما. ورأوا أن البروتستانتية خيانة لعصر النهضة، وأنها كانت تستعيد كل المذاهب الفوق الطبيعية واللاعقلية والشيطانية التي رانت بالظلام على عقلية القرون الوسطى، وقد شعروا بأن هذا لم يكن تقدماً، بل رجعية … كان إخضاعاً من جديد للعقل المتحرر لسيطرة الأساطير البدائية للسوقة. واستاءوا من طعن لوثر للعقل ومن تمجيده للعقيدة كما كان يعرفها البطارقة أو الحكام من البروتستانت. وماذا بقي للإنسان من