ثورته، ويحولوها إلى احتجاج مهذب، يسمعه الناس في سماحة، ثم يضيع في غمرات النسيان. وماذا كان في وسع رجل أرحب منه صدراً أن يفعل، إذا ووجه بمثل هذه الصعاب وتلك القوى؟ ما من شك في أنه ليس في وسع رجل متضلع في الفلسفة ولا رجل له عقلية علمية، لا تؤمن إلا بشيء يثبت بالدليل، ولا رجل فطر على منح رواتب سخية لأعدائه، أن يقذف بمثل هذا التحدي، الذي هز العالم، أو أن يسير قدماً. بمثل هذا التصميم إلى هدفه، كما لو كانت هناك عصابة على عينيه. وإذا كان لاهوته، الذي يقول بحتمية القدر، منافياً للعقل والرأفة الإنسانية، كأي أسطورة أو معجزة في عقيدة أهل القرون الوسطى، فإنه أثر في قلوب الناس بهذه اللاعقلانية العاطفية، فالأمل والروع هما اللذان يدفعان الناس إلى الصلاة، وليس الدليل على أشياء يرونها بأعينهم.
ويبقى أن نذكر أنه حطم بضربات قبضته الخشنة كعكة العادات وصدفة السلطة، التي كانت قد سدت الطريق في وجه حركة الفكر الأوروبي. وإذا كنا نحكم على عظمة المرء بما له من نفوذ - وهذا أقل اختبار موضوعي في وسعنا أن نلجأ إليه - فإننا نستطيع أن نضع لوثر في مصاف كوبرنيقوس وفولتير وداروين، باعتبارهم من أقوى الشخصيات، التي ظهرت في العالم الحديث. ولقد كتب عنه أكثر مما كتب عن أي رجل آخر في العصر الحديث باستثناء شكسبير ونابليون. وكان تأثيره على الفلسفة بطيئاً وغير مباشر، ولقد أثر على يقينية fideism كانت وقومية فيخته ومذهب شوبنهاور في الإرادة واستسلام الروح الهيجلي للدولة، أما تأثيره على الأدب الألماني واللغة الألمانية، فكان حاسماً وشاملاً، كتأثير الإنجيل، الذي نشره الملك جيمس، على اللغة والآداب في إنجلترا. ولم يستشهد الناس بأقوال ألماني آخر بمثل هذه الكثرة، وهذا الولع. ولقد أثر هو وكارلشتادت وآخرون في خلق الإنسان الغربي، وعاداته التي درج عليها، بالتنصل من العزوبة المفروضة على رجال الدين، وبصبه في الحياة الدنيوية الطاقات التي كانت