الذي لا حد له" (١٩٠). ويقول عنهم "كير هاردي" الأمين: "إن أمانتهم مضرب الأمثال، فهم يقترضون ويقرضون، لا تلزمهم في ذلك إلا كلمة غير مكتوبة، ويكادون لا يعرفون عدم الوفاء للدين" (١٩١). ويقول قاض بريطاني في الهند: "لقد عرضت أمامي مئات القضايا التي كانت أملاك الفرد منهم وحريته وحياته متوقفة كلها على كذبة يقولها، ومع ذلك يأبى على نفسه الكذب" (١٩٢). فكيف لنا أن نوفق بين هذه الشهادات المتضاربة؟ يجوز أن يكون التوفيق بينها غاية في البساطة، وهو أن بعض الهنود أمين وبعضهم خائن.
وكذلك قل إن الهنود غاية في القسوة وغاية في الرقة في آن معاً؛ فلقد استحدثت اللغة الإنجليزية لفظة قصيرة قبيحة، استعارتها من تلك الجمعية السرية العجيبة- التي تكاد تكون طبقة اجتماعية- جمعية "الغادرين" التي ارتكبت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر آلاف الجرائم الشنيعة، وذلك- كما قالوا- بغية تقديم هؤلاء الضحايا قرابين للإلهة "كالي" (١٩٣)، وأما الكلمة التي استحدثتها اللغة الإنجليزية لتدل على هؤلاء الغادرين فهي Jhugs وقد كتب عنهم "فنسنت سمث" بلغة ليست غربية عن عصرنا هذا، فقال:
"هذه العصابات توشك ألا تخشى أحداً، وتكاد تتمتع بحصانة تامة … فلها دائماً حماة أقوياء؛ ولقد هبط الشعور الخلقي عند الناس هبوطاً بحيث لا تشهد فيهم أثراً للجزع من هذه الجرائم المدبرة التي يقترفها هؤلاء "الغادرون"، وذلك أن هذه الفئة المجرمة قد انخرطت في مجرى أمور الحياة جزءاً منها لا يتجزأ؛ وقبل أن يفتضح سر هذه الجمعية، … كان يستحيل عادة أن تظفر بدليل يثبت الجريمة على هؤلاء الغادرين، حتى الذين اشتهروا منهم بين الناس"(١٩٣ أ).
ورغم ذلك فالجرائم في الهند قليلة نسبياً، وحوادث الاعتداء نادرة، فالعالم كله مجمع على أن الهنود من الوداعة بما أوشك أن يكون جبناً وضعفاً (١٩٤)