مجلس جنيف إلى حد أنه أمر بطبع الخطابين على نفقة المدينة (١٥٤٠)، وبدأ يتساءل ما إذا كان، بنفيه كالفن، قد فقد أقدر رجل في الإصلاح الديني السويسري.
وغذت الشك عوامل أخرى، فقد برهن كاهنا الأبرشية، اللذان حلا محل فاريل وكالفن، على أنهما لا يصلحان للوعظ، ويفتقران إلى النظام. وفقد الجمهور احترامه لهما، وعاد إلى الأخلاق المنحلة، التي كانت سائدة في الأيام السابقة للإصلاح الديني، وتفشت المقامرة والسكر، واشتدت الحلبة في الشوارع، وانتشر الزنا، وكان الناس يرفعون عقائرهم علناً بالأغاني الداعرة، وانطلق أشخاص في الشوارع، عراة كما ولدتهم أمهاتهم (٣٠). ولقد حكم بالإعدام على واحد من المأمورين الأربعة، الذين تزعموا حركة طرد فاريل وكالفن، وذلك لارتكابه جريمة قتل، وعلى آخر لارتكابه جريمة تزوير، وعلى ثالث بتهمة الخيانة للوطن، أما الرابع فقد مات، وهو يحاول الفرار من الاعتقال. ولابد أن رجال الأعمال، الذين كانوا يسيطرون على المجلس، قد ساءهم هذا الإخلال بالنظام، باعتباره معوقاً للتجارة. ولم يكن المجلس نفسه ميالاً إلى أن يحل محله أسقف، يستعيد سلطانه، وربما يصدر قراراً بحرمانهم من غفران الكنيسة. وهكذا خطرت فكرة دعوة كالفن لغالبية الأعضاء شيئاً فشيئاً. وفي يوم أول مايو ألغى المجلس قرار النفي، وأعلن أن فاريل وكالفن رجلان جديران بالاحترام. وأرسل مندوب إثر مندوب إلى شتراسبورج، لاقناع كالفن باستئناف عمله في الأبرشية بجنيف. وغفر فاريل للمدينة لأنها لم ترسل له دعوة مماثلة، وفي كرم نبيل انضم إلى المندوبين لحث كالفن على الدعوة. ولكن كالفن كان قد عرف كثيراً من الأصدقاء في شتراسبورج، وشعر بأن عليه التزامات هناك، ورأى أنه لن يجد أمامه في جنيف إلا الخصام، وقال:"ليس في العالم مكان أخشاه أكثر منها". ووافق على القيام بزيارة للمدينة فحسب. وعندما وصل إليها (١٣ سبتمبر سنة ١٥٤١) قوبل