وجله يخفي شجاعته وخجله يحجب كبرياء في باطنه وذلته أمام الله أصبحت في بعض الأحيان عجرفة آمرة أمام الناس. وكان شديد الحساسية للنقد ولم يكن في وسعه أن يتحمل المعارضة بجلد امرئ يستطيع أن يدرك احتمال أنه قد يكون مخطئاً. وهده المرض وانحنى ظهره من كثرة العمل ولذا كان كثيراً ما كان يتميز غيظاً وينفجر في نوبات من الفصاحة الغاضبة، واعترف لبوسر بأنه وجد أن من الصعب عليه أن يروض "الوحش الكامن في غضبه"(٥٠) ولم يكن من فضائله المرح الذي كان حرياً بأن يخفف من يقينياته ولا الإحساس بالجمال الذي كان كفيلاً بأن يستبقي الفن الكنسي. ومع ذلك فانه لم يكن مشاغباً لا تلين قناته، وأمر أتباعه بأن يكونوا منشرحين وأن يلعبوا ألعاباً لا ضرر منها مثل لعب الكرة ولعبة صيد الخنزير بحلقات الحبال وأن يستمتعوا بشرب النبيذ في اعتدال. وكان في وسعه أن يكون صديقاً حنوناً رقيق القلب وعدواً لا يتسامح، وكان قادراً على إصدار أحكام قاسية وعلى الانتقام بشدة. وكان الذين يخدمونه يخشونه (٥١)، أما الذين كانوا يحبونه فهم الذين عرفوه حق المعرفة. وكانت حياته الجنسية خالية من الزلات، وكان يعيش في بساطة ويأكل قليلاً، ويصوم دون أن يقصد التباهي، ولا ينام إلا ست ساعات في اليوم، ولم يحصل قط على إجازة، واستنفد قواه دون تحديد فيما ظن أنه عبادة الله. ورفض أن يمنح زيادة في مرتبه ولكنه سعى لكي يرفع الأموال المخصصة للبر للفقراء. وقال البابا بيوس الرابع:"إن قوة ذلك الهرطيق تكمن في هذا: إن المال لم يكن له أقل سحر عليه. وإذا كان لدي أتباع مثله فإن مملكتي سوف تمتد من البحر إلى البحر"(٥٢).
ورجل له مثل هذا الطبع لابد أن يثير حقد كثير من الأعداء. وحاربهم بشدة وبلغة العصر الجدلية … ووصف خصومه بأنهم من الأوغاد وأنهم أغبياء وكلاب وحمير وخنازير وبهائم منتنة (٥٣) - وهي نعوت أقل لياقة بالنسبة للاتينيته الرشيقة من أسلوب لوثر الذي يشبه أسلوب المجالدين، ولكنه واجه استفزازات. فقد حدث يوم أن قاطع جيروم بولسيك،