للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن ليس من شك في أنه وافق على عمليات الإحراق (٥٠). ولم يسلم بوجود أي تناقض بين سلوكه والتسامح الكبير في الاختلافات الدينية الذي أبداه في مدينته الفاضلة، لأنه حتى هناك رفض التسامح مع الملحدين والمنكرين للخلود، وهؤلاء الهراطقة الذين لجئوا إلى العنف أو توسلوا بالطعن. ومع ذلك فقد ارتكب هو نفسه جريمة الطعن بمجادلته البروتستانت الإنجليز (١).

وجاء الوقت الذي رأى فيه مور أن هنري أخطر الهراطقة على الإطلاق. ورفض الموافقة على زواجه من آن بولين ورأى في التشريع المناهض لرجال الدين الذي صدر في ١٥٢٩ - ٣٢ اعتداء صارخاً على كنيسة يرى أنها بمثابة قاعدة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي. وعندما تقاعد من المنصب وانسحب إلى خلوة بيته في تشلسي (١٥٣٢) كان لا يزال في عنفوانه، في الرابعة والخمسين من عمره، ولكنه كان يرتاب في أنه لن يعيش طويلاً. وحاول أن يهيئ أسرته للمأساة بالحديث (هكذا يقول زوج ابنته وليام روبر) عن حياة الشهداء الأحرار وعن جلدهم العجيب وعما كابدوه من آلام وعن ميتتهم التي آثروا فيها أن يتعرضوا للعذاب على أن يسيئوا إلى


(١) "ومع ذلك فهناك خنزير لا يتلقى أي تعليم إلا ليدنسه وهناك كلاب تمزق بأنيابها كل علم نافع … ولا يكفي أن يعظ الناس أمثال هؤلاء الكلاب بل يجب جلدهم بالسياط والمقارع بعنف، والحيلولة بينهم وبين تمزيق العلم النافع بأنيابهم … إلى أن يستكينوا ويصيخوا لما يقال لهم. وبهذه الوسائل يمنع الخنزير من إلحاق الأذة، والكلاب تخضع أحياناً للتعليم إلى حد … أنها تتعلم كيف ترقص على مزمار سيدها. والعقاب رادع في حين أن التعليم المجرد منه لا يكفي. فمَن هم الكلاب بمعنى الكلمة الآن سوى هءلاء الهراطقة الذين ينبحون على القرابين المقدسة المباركة … ومَن هم الخنازير بمعنى الكلمة سوى هراطقة أيامنا هذه، وهم من ضرب نجس لم يشهده أحد قط من قبل؟ وفي مثل هذا الموكب الرزين أقسم جميع أصحاب القداسة على العفة … وتحولوا إلى جرية قذرة شائنة ينعم بها الرهبان بنكاح الراهبات"