كتاب قصة الحضارة

هنري الثامن وتوماس مور - ٣ - الشهيد - ج: 25 - ص: 117

وبذلت محاولات أخرى لزحزحته عن موقفه، بيد أنه قاومها كلها بابتسامة.

وفي أول يوليه سنة ١٥٣٥ قدم لمحاكمة أخيرة. فدافع عن نفسه جيداً ولكن حكم عليه بالإدانة لخيانة الدولة، وبينما كان عائداً وستمنستر إلى البرج اقتحمت ابنته مرجريت صفوف الحرس، واحتضنته وتقبلت بركته الأخيرة. وفي اليوم السابق لإعدامه أرسل قميصه المصنوع من الشعر إلى مرجريت ومعه رسالة "غداً نلتقي) لكي نذهب إلى الله … وداعاً يا ابنتي العزيزة، صلي من أجلي، وسوف أصلي من أجلكِ، ومن أجل جميع أصدقائكِ، لكي نلتقي في السماء مسرورين (٥٤).

وعندما ارتقى منصة المقصلة (في ٧ يوليو) ووجد أنها ضعيفة توشك أن تنهار قال لأحد التابعين: "أرجوك أيها الملازم أن تراعي أن أكون في أمان وأنا في أعلاها، وبالنسبة لنزولي دعني أحتال لنفسي (٥٥) ". وطلب منه الجلاد الصفح والمغفرة فاحتضنه مور. وكان هنري قد أصدر تعليمات بألا يسمح للسجين إلا ببضع كلمات. وطلب مور من المشاهدين أن يصلوا من أجله، وأن يشهدوا بأنه تعرض للموت في سبيل عقيدة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، ومن أجلها، ثم طلب منهم أن يصلوا من أجل الملك، وأن ينعم الله عليه بمشير صالح، واحتج بأنه مات وهو خادم صالح للملك، ولكنه خادم الرب أولاً (٥٦)، وتلا المزمور الحادي والخمسين، ثم وضع رأسه على الكتلة، وسوى بعناية لحيته البيضاء الطويلة، حتى لا تتعرض لأي أذى وقال: "مما يؤسف له أنها سوف تقطع، وأنها لم ترتكب جريمة خيانة الدولة (٥٧) "، وعلق رأسه على جسر لندن.

وسرت موجة من الرعب في إنجلترا التي أدركت وقتذاك قسوة الملك، التي أصر عليها، وسرت في أوربا قشعريرة من الفزع. وشعر أرازموس