وفرو الفاقم، واليد التي تقبض على سيف محلى بالجواهر، تكشف عن استعلاء السلطة وزهو رجل لم يجد مَن يقاومه، والوجه العريض المكتنز ينم على ميل شديد للذات الحسية، والأنف دعامة قوية، والشفتان المضمومتان والعينان القاسيتان تنم على طاغية مستبد سريع الغضب بارد إلى حد القسوة. وكان هنري وقتذاك في السادسة والأربعين، في أوج مجده السياسي، ولكن بدأ الضعف يدب في جسده. وقدر له أن يتزوج ثلاثاً مرة أخرى، ومع ذلك لم يرزق بعدها بذرية. ولم ينجب من زوجاته الست سوى ثلاثة أطفال، عاشوا إلى ما بعد سن الطفولة. وأحد هؤلاء الثلاثة، وهو إدوارد السادس، كان معتل الصحة، ومات في الخامسة عشرة من عمره، وظلت ماري عاقراً بائسة عندما تزوجت، أما إليزابث فإنها لم تجرؤ قط على الزواج، وربما كان ذلك لشعورها بوجود عائق جسماني. وأصابت لعنة شبه العقم أو العيب الجسماني أعظم الأسر الحاكمة اعتزازاً بنفسها في التاريخ الإنجليزي.
وكان هنري حاد الذهن وحكمه على الرجال يدل على الفراهة، وشجاعته عظيمة، وقوة إرادته هائلة. وكان سلوكه فظاً ووساوسه تبددت مع شبابه، ومهما يكن من أمر فإنه ظل مع أصدقائه شفوقاً كريماً، ولطيفاً بشوشاً، قادراً على كسب ودهم وإخلاصهم. وقد ولد ليكون ملكاً، وأحيط منذ ولادته بالخضوع والملق، ولم يجرؤ على معارضته إلا قليلون، وقد دفنوا بعد أن قطعت رءوسهم. وكتب مور عن سجن البرج:"مما يؤسف له كثيراً ولا شك أن نرى أي أمير مسيحي على استعداد لأن يلبي رغباته بواسطة مجلس يركع أمامه، وبواسطة رجال دين ضعاف … والملق، فاشتط في ظلم الناس بصورة مخجلة (٤٢) "، كان هذا هو المصدر الخارجي لنكوص هنري على عقبيه في الخلق - فقد أدى عدم وجود مقاومة