وعلينا ألا نحاكم نوكس بمقاييسنا الراهنة عن التسامح، فقد أعرب بإصرار شديد عن الروح العامة لعصره تقريباً.
وكانت السنوات التي قضاها في جنيف، حيث كان سرفينوس قد أحرق لتوه، قد أكدت نزعته نحو الالتزام بالحرفية الصارمة واليقين الذي يصل إلى درجة الغرور. ولو أنه قرأ ما احتج به كاستليو لتبرير التسامح لطابت نفسه على الأرجح برد بيز عليه. ومع ذلك فإن رجلاً مغموراً ممن ينكرون وجوب التعميد كتب في تلك السنوات نفسها نقداً للكالفينية بعنوان:"مهمل بالضرورة" وأرسله البروتستانت الإسكوتلنديون إلى نوكس ليرد عليه رداً مفحماً، وكأنما كان صوت العقل يهمس لحظة وسط حرب العقائد. وتساءل المؤلف كيف جاز للكالفينيين بعد أن عرفوا مفهوم المسيح عن أب محب، أن يؤمنوا بأن الله قد خلق بشراً كتب عليهم، وشاء لهم اللعنة الأبدية. وقال المنكر لوجوب التعميد أن الله قد وهب الناس ميلاً طبيعياً لأن يحبوا ذريتهم، فإذا كان الله قد خلق الإنسان على صورته، فكيف يكون الله أقسى من الإنسان؟ واستطرد المؤلف قائلاً إن الكالفينيين قد أتوا من الشرق أكثر مما أتى به الملحدون "لأن الذين يؤمنون بأن الله ليس جائراً وقاسياً وظالماً أقل قذفاً في حق الله ممن يقولون بأنه كذلك" ورد نوكس "أن هناك أسراراً تخفى على العقل البشري، ولسوف تحطم كبرياء أولئك الذين لا يقنعون بإرادة الله التي تتجلى، ويسرهم أن يصعدوا ويحلقوا فوق السماوات ليتساءلوا عن إرادة الله الخفية". وكتب يقول في موضع آخر "والطبيعة والعقل إنما يضلان الناس عن الله الحق. وأي وقاحة أن يفضل المرء الطبيعة الفاسدة والعقل الأعمى على كتب الله المقدسة (٣٩)؟ ".
ولم يقتنع نوكس بقوة الاستدلال واعتقد في قرارة نفسه أنه مخلص لروح المسيح، فأرسل عام ١٥٥٩، عندما كانت تحكم إنجلترا ملكة بروتستانتية، إلى شعبها رسالة بعنوان:"عظة موجزة" ينصحه فيها بأن يكفر عما قامت