ثم انبعثت من جديد في بطئ. ثم اكتسح تتار بتمورلنك غربي آسيا بدمار جديد، وشق الأتراك العثمانيون طريقهم عبر آسيا الصغرى إلى البسفور، ولم تعرف حضارة أخرى في التاريخ مثل هذه الكوارث عدداً وانتشاراً وشمولاً.
على أن المغول والتتار والأتراك أتوا بدمهم الجديد ليحل محل أنهار الدماء البشرية التي كانوا سفكوها. وكان الاسلام قد صار مترفاً فاتر الهمة، وكانت بغداد- مثل القسطنطينية- فقد فقدت إرادتها في امتشاق الحسام للدفاع عن النفس، وأغرم الناس هناك بالحياة اللينة الهينة الرخية إلى حد الإشراف على الموت. أن تلك الحضارة الرائعة- مثل الحضارة البيزنطية، أينعت لتذوى وتذبل،. ولكنها كانت غنية - مثل اليونان القديمة وإيطاليا النهضة - إلى حد القدرة على تمدين غزاتها، بفضل ما أنقذ من شتاتها وذكرياتها، وأنشأت فارس تحت حكم خانات المغول حكومة مستنيرة وأنتجت أدباً جيداً وفناً عظيماً، وشرفت التاريخ بعالم جليل هو رشيد الدين. وفيما وراء النهر، بنى تيمورلنك وعمر، بشكل مؤثر، قدر ما كان قد خرب ودمر. ووسط حملات السلب والنهب التي كان يشنها، توقف ليكرم حافظ الشيرازي. وفي الأناضول كلن الأتراك فعلاً متحضرين، وكان الشعراء بينهم من الكثرة قدر كثرة المحظيات أو الخليلات. وفي مصر استمر المماليك في إقامة الأبنية بناء العمالقة الجبابرة. وفي غربي إفريقية أنجب الإسلام فيلسوفاً مؤرخاً، كان يبدو إلى جانبه أعظم علماء المسيحية المعاصرة بمثابة حشرات صغيرة تقع في الشرك وتموت جوعاً وسط عناكب الفلسفة النصرانية في العصور الوسطى. وفي نفس الوقت كان الإسلام ينتشر في الهند إلى أقصى الشرق.