ليقضي نحبه في فاس. وإن يوميات هذا الرحالة لتوحي بمدى انتشار الإسلام الواسع، فهو يذهب إلى أنه قطع في رحلته ٧٥. ٠٠٠ ميل (أكثر من أي إنسان آخر قبل عصر البخار)، كما زعم أنه رأى غرناطة وشمال أفريقية وتمبكتو ومصر والشرقين الأدنى والأوسط وروسيا والهند وسيلان والصين، وأنه زار كل حاكم مسلم في هذا العصر. وفي كل مدينة كان يقدم احتراماته أولا إلى العلماء ورجال الدين ثم بعد ذلك إلى الملوك والحكام. وإنا لنرى النزعة الإقليمية عندنا منعكسة عليه حين يعدد "الملوك السبعة العظام في العالم"، وكأنهم مسلمون فيما عدا واحداً صينياً (٥٠). إنه لا يصف الأشخاص والأماكن فحسب، بل يصف كذلك حيوان كل منطقة ونباتها والمعادن والأطعمة والأشربة والأسعار في مختلف البلاد، وكذلك المناخ ومظاهر الطبيعة والعادات، والأخلاق والطقوس الدينية والمعتقدات، وهو يتحدث بكل إجلال عن السيد المسيح والسيدة العذراء. ولكنه يشعر ببعض الارتياح والرضا حين يشير إلى أن "كل حاج يزور كنيسة القيامة في القدس يدفع رسوماً للمسلمين"(٥١). وعندما عاد إلى فارس روى كل تجاربه ومشاهداته، فأنزله سامعوه منزلة القصاص، ولكن الوزير أمر أحد سكرتيريه بتدوين ما أملاه ابن بطوطة من مذكرات. وضاع الكتاب وكاد أن ينسى، حتى وجد أخيراً أثناء الاحتلال الفرنسي الحديث للجزائر.
وفيما بين سنتي ١٢٥٠، ١٣٥٠ كان أعظم الكتاب إنتاجاً في التاريخ الطبيعي من المسلمين. فكتب محمد الدميري بالقاهرة كتاباً في علم الحيوان يقع في ١٥٠٠ صفحة وكان الطب لا يزال قلعة سامية، (أي علماً برز فيه الجنس السامي). فكانت المستشفيات كثيرة في العالم الإسلامي. وشرح طبيب من دمشق هو علاء الدين بن النفيس الدورة الدموية الرئوية (١٢٦٠) قبل سرفيتس (طبيب أسباني، القرن ١٦) بنحو ٢٧٠سنة،