قاض في البلاد بعد السلطان والوزير الأكبر. ولما كان الموت حتماً مقضياً على السلاطين، وكانت جماعة العلماء قائمة دوماً، فإن هؤلاء المشرعين الدينيين هم الذين حكموا الحياة اليومية في الإسلام. ولما كانوا يفسرون الحاضر على أساس من شرائع الماضي، فقد تشبعوا بروح المحافظة وأسهموا في ركود الحضارة الإسلامية بعد وفاة سليمان. وعزز الإيمان بالقضاء والقدر- أو كما يقول قسمة الإنسان أو نصيبه- روح المحافظة هذه: أي أنا حيث أن الله قدر نفس حظها، فإن ضجر الإنسان بما قسم له ضرب من البعد عن الدين والتعمق فيه، فكل شيء في هذه الدنيا، والموت خاصة، هو من أمر الله ويجب الرضا به دون تذمر أو شكوى. وقام بين الحين والحين من ذوى التفكير الحر من يتحدث بصراحة بالغة، ولكن نادراً ما كان يحكم عليه بالإعدام. ومهما يكن من أمر، فإن العلماء عادة أجازوا قدراً كبيراً من حرية الفكر، ولم يكن في تركيا الإسلامية محاكم تفتيش.
وتمتع المسيحيون واليهود في ظل العثمانيين بقدر كبير من الحرية الدينية، وسمح لهم بتطبيق شرائعهم في الأمور التي لا يكون المسلمون طرفاً فيها (٢٧). واحتضن محمد الثاني الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية عمداً، لأن انعدام الثقة المتبادل بين اليونان والروم الكاثوليك أفاد الأتراك في مقاومة الصليبيين. وعلى الرغم من أن المسيحيين انتعشوا تحت حكم السلاطين، فإنهم عانوا ضعفاً شديداً. فقد كانوا في حقيقة الأمر عبيداً أرقاء، ولكن كان في مقدورهم إنهاء الوضع بالدخول في الإسلام، وفعل الملايين منهم ذلك. وأما الذين رفضوا فكانوا مبعدين عن الجيش، لأن الحروب الإسلامية كانت في ظاهرها مقدسة من أجل الكفار إلى الإسلام. وخضع مثل هؤلاء المسيحيين لضريبة خاصة بدلاً من الخدمة العسكرية. وكانوا عادة فلاحين مستأجرين يدفعون عشر إنتاجهم إلى مالك الأرض، وكان