التركي دوماً بمظهر الوقار، تساعده ملابسة على إخفاء سخافات البدانة الناتجة عن البطنة. وارتدى عامة الشعب الطربوش، ولف المتأنقون حول عمامة، وكان كلا الجنسين يهوى الأزهار. واشتهرت الحدائق التركية بتعدد الألوان فيها، ومن هناك، فيما يبدو، انتقل إلى أوربا الغربية الليلك والتيولب، والسنط، والغار وغيرها. وكان ثمة ناحية جمالية عند الأتراك، كان من العسير أن تكشف عنها حروبهم. وإنا لندهش مما يرويه السياح الأوربيون من أن الأتراك لم يكونوا، فيما عدا زمن الحرب، "قساة بالطبيعة"، ولكن طيعين، وديعين .... مهذبين، أليفين"، و "شفوقين بصفة عامة" (٤١). وشكا فرانسيس بيكون من أنهم بدوا أشد رفقاً بالحيوان منهم بالإنسان (٤٢). وما كانت القسوة لتنفجر إلا إذا تهددت سلامة العقيدة، وهنا لم يكن التركي يكظم غيظه أو يحد من انفعاله، بل كانت تثور ثائرته.
وكان التشريع التركي صارماً في الحرب بصفة خاصة. فلم يؤخذ أي عدو بأية رحمة أو هوادة، وكانوا يبقون على حياة النساء والأطفال، أما الأعداء القادرون الأشداء فقد يذبحون، ولو لم يكونوا مسلحين أو لم يقاوموا، وحتى دون أن يقترفوا إثماً (٤٣). ومع ذلك فإن كثيراً من المدن التي استولى عليها الأتراك نهضت أكثر مما نهضت المدن التركية التي استولى عليها المسيحيون. من ذلك أن إبراهيم عندما استولى على تبريز وبغداد ١٥٣٤، حرم على جنوده سلب المدينتين أو إيذاء سكانهما. كذلك، عندما انتزع سليمان تبريز ثانية ١٥٤٨، حماها من السلب والنهب أو الذبح، ولكن عندما استولى شارل الخامس على تونس ١٥٣٥ لم يستطع دفع رواتب جنوده إلا بإباحة السلب والنهب. ومهما يكن من شيء فإن القانون التركي نافس القانون المسيحي في العقوبات الوحشية، فقطعت يد السارق حتى تقل قدرته على السرقة (٤٤).