ولم يكن التمييز العنصري أسوأ إهانة لحقتهم، فقد كانوا أكثر أمناً وسعادة فيما بينهم، منهم وسط الجمهور الذي يضمر لهم العداء، والفقر أمكنهم أن يتحملوه لأنهم كانوا ألفوه لعدة قرون، ولم يكن خاصاً بهم، والحق أن فخرهم بالثراء العارض كان أقرب احتمالاً من شعورهم بالفقر الذي عانوه منذ أزمان سحيقة. أما أنكى الجراح، مهما كان الباعث عليه، فهي الشارة أو الزي المميز الذي دمغهم بأنهم محتقرون منبوذون بين الناس. وكتب مؤرخ اليهود العظيم في مرارة يقول:
إن شارة اليهودي كانت بمثابة إغراء للصبية المتشردين بإهانة حامليها وقذفهم بالأوحال، وإيحاء لجموع الرعاع الحمقى بالانقضاض عليهم وإساءة معاملتهم، بل حتى قتلهم، كما هيأت للطبقة العليا فرصة نبذ اليهود ونهبهم أو نفيهم. وأسوأ من هذا العار الخارجي، أثر الشارة في اليهود أنفسهم. فقد اعتادوا أكثر فأكثر على مركزهم الحقير المذل، وفقدوا كل إحساس باحترام الذات. فأهملوا مظهرهم الخارجي … وأصبحوا أكثر فأكثر لا يعنون بحديثهم لأنهم لم يسمح لهم بارتياد دوائر الثقافة، أما فيما بينهم فكانوا يفهمون بعضهم بعضاً برطانة غامضة" وفقدوا كل تذوق للجمال وإحساس به. وأصبحوا إلى حد ما حقراء كما أرادهم أعداؤهم أن يكونوا (٧٣).
إن هذا وصف يتسم بالمبالغة والتعميم أكثر مما ينبغي، فكم من اليهود احتفظوا بكبريائهم وتألقوا في ملابسهم الفاخرة، وإنا لنسمع المرة بعد المرة عن بنات يهوديات اشتهرن بجمالهن، وعن Judisch التي تطورت في القرن السادس عشر إلى لغة ألمانية فيها اقتباسات عبرية وسلافية. كانت تنتج أدباً قوياً متنوعاً حينما كتب جرايتز كتابه "تاريخ اليهود". وعلى