في ألمانيا وإنجلترا فلم تكن الأيدي مبسوطة إلى هذا الحد. وبذل لوثر كل ما في وسعه ليعيد نظام الصدقات الذي كان قد اختل بمصادرة الأمراء لأملاك الأديرة، ولكنه اعترف بأن جهوده لم تكلل بالنجاح. ورثى "لأن الناس في عهد البابوية كانوا محسنين وتصدقوا عن طيب خاطر (٥٠)، ولكنهم في ظل شريعة الإنجيل لم يعودوا يعطون شيئاً، وبات كل فرد يسلب الآخر … ولن يتصدق أحد بفلس واحد"(٥١). ونقل إلينا لاتيمر (من رجال الإصلاح الديني البروتستانتي في إنجلترا في القرن السادس عشر) رواية مشابهة: " لم يقس قلب لندن قط كما هو حالها الآن، فإذا مات أحد الأغنياء في الأزمنة الغابرة، كان ذووه يرصدون مبالغ كبيرة من المال لإغاثة الفقراء … أما الآن فقد تجمدت المروءة وانقضى عهدها (٥٢). وأبلغ الكاردينال بول لندن، أن مدينتين في إيطاليا تصدقتا بأكثر مما تصدقت به إنجلترا بأسرها (٥٣). وانتهى فرود إلى أنه "لما انتشر الصدق، تقلص البر والعدل في إنجلترا" (٥٤). ويحتمل أنها ليست البروتستانتية، ولكنها الروح التجارية والكفر هما اللذان انقضا الصدقات والإحسان.
واشتد الفقر حتى أصبح يشكل أزمة اجتماعية، فإن المستأجرون المطرودين والعمال المهرة العاطلين والجنود المسرحين هاموا على وجوههم في الطرقات أو الأكواخ المصنوعة من القش يسألون الناس أو يسلبونهم ليعيشوا. وقدر عدد المعوزين في أوجزبرج بسدس السكان وفي همبرج بخمسهم، وفي لندن بربعهم (٥٥). وصاح المصلح الديني توماس لفر يوما "يا رب يا رحيم، ما هذا العدد الضخم من الفقراء والضعفاء والعرج والعمى والمقعدين والمرضى … والذين يرقدون أو يزحفون في الشوارع الموحلة" (٥٦) وكان لوثر الذي امتلأ قلبه بالرحمة قدر ما اتسم لسانه بالقسوة، من أول من أدركوا أن الدولة يجب أن تتولى عن الكنيسة رعاية المعوزين وإنقاذهم. وفي حديثه "إلى أشراف المسيحية في الأمة الألمانية" (١٥٢٠) اقترح