(١٥٥٠) أسلمت البلاد آخر الأمر إلى مجرد مغامرين. إن الناس
استبدلوا بخرافة من أكبر مساوئها أنها فرضت ظلاً من الاحترام
والطاعة، خرافة أخرى، مزجت الطاعة بإيمان متسم بطابع
المضاربة. وتحت هذا التأثير المميت، بدأت تختفي، لا أسمى فضائل
التضحية بالنفس فحسب، بل أبسط واجبات الاستقامة والأمانة
والفضيلة والأخلاق. وأصيبت الحياة الخاصة بدنس بدا لخلاعة
رجال الدين الكاثوليك أنه البراءة والطهر … ومن بين الفئة
الصالحة التي لم يمسها الدنس، لا يزال من الممكن العثور على
أفاضلهم في جانب الإصلاح (٧٠).
وقد لا يكون من اليسير أن تنسب هذا الانحطاط الخلقي في ألمانيا وإنجلترا، إلى فك لوثر لقيود الجنس، وازدرائه "للأعمال الصالحة"، أو إلى المثل السيئ الذي ضربه هنري الثامن بانغماسه في المغامرات الجنسية وقسوته البالغة، فقد ساد فسوق مشابه- ومن بعض النواحي أكثر انطلاقاً- في إيطاليا البابوية في ظل البابوات في عصر النهضة، وفي فرنسا الكاثوليكية تحت حكم فرانسوا الأول. وربما كان السبب الرئيسي في انحلال الخلق في أوربا الغربية هو نمو الثروة. وثمة سبب أصيل يدعم هذا، هو تزعزع الإيمان، لا في المبادئ الكاثوليكية فحسب، بل في أساسيات وأصول العقيدة المسيحية كذلك. فقد رثى أندريا مسكولوس "أنه ليس هناك من يعبأ بالجنة أو الجحيم، ولا يفكر أحد في الله أو في الشيطان"(٧١). وينبغي في مثل هذه التصريحات الصادرة عن الزعماء الدينيين، أن تتجاوز عن مبالغات المصلحين اليائسين من ضآلة التحسينات التي أدخلتها إصلاحاتهم الدينية على الحياة الأخلاقية. وإذا كان لنا أن نصدق الوعاظ، فإن الناس لم يكونوا أفضل بكثير فيما مضى، وقد لا يكونون أفضل بكثير في القرون التالية. ففي مقدورنا أن نتبين في عصرنا هذا كل خطايا القرن السادس عشر وآثامه،