وكانت وجبات الطعام هائلة. ولم تكن الخضراوات مستساغة، بل كان الناس يزدرونها، ثم أقبلوا عليها شيئاً فشيئاً. وشاع آنذاك أكل الكرنب والجزر والراوند والبطاطس والفول والفريز. وكانت الأكلة الرئيسية في الساعة الحادية عشرة صباحاً وتأخر العشاء إلى السابعة مساء، وكلما سمت الطبقة تأخرت ساعة تتناول العشاء. وكانت الجعة والنبيذ هما المشروبان الرئيسيان في كل وجبات الطعام حتى الإفطار. وكان من طرق توماس مور إلى الشهرة أنه تناول الماء بديلاً عنهما. وحوالي ١٥٥٠ استحضر الأسبان الشكولاته (الكاكاو) من المكسيك، ولم يكن البن قد تقاطر بعد من بلاد العرب إلى أوربا الغربية. وفي ١٥١٢ حددت أسرة دوق نور ثمبرلاند ربع جالون من الجعة لكل فرد فيها في كل وجبة طعام حتى للأولاد في سن الثامنة. وكان استهلاك الجعة في كوفنتري في القرن السادس عشر ربع جالون يومياً لكل رجل وامرأة وولد (٨٠). وقد اشتهرت مصانع الجعة في ميونيخ منذ القرن الرابع عشر (٨١). وكان شرب الخمر شائعاً في إنجلترا حتى جاءت "ماري اللعينة"(ماري تيودور ١٥١٦ - ١٥٥٨) فاستهجنته. ولكنه ظل مألوفاً في الدنيا، وتناول الفرنسيون الخمر في اتزان اكثر، لأن الجو عندهم لم يكن بارداً إلى هذا الحد.
وعلى الرغم من الفقر والظلم، استمر الناس يتمتعون بكثير من نعم الحياة، وحتى الفقراء أنفسهم كان لهم حدائق، وأصبحت زهرة التيوليب هواية وطنية في هولندة، وكان قد أحضرها لأول مرة حوالي ١٥٥٠ بوسبك سفير الإمبراطور في القسطنطينية. وكانت البيوت الريفية نمطاً ساراً في إنجلترا وفرنسا. وظل القرويون يحتفلون بأعيادهم الموسمية في عيد الربيع (أول مايو)، عيد الحصاد، عيد كل القديسين، وغيرها كثير، واحتفل الملوك بعيد الربيع وتوجوا أنفسهم بأكاليل