أرستقراطية، أو شعائر فخمة متأصلة في تقاليد منيعة لا تنتهك حرمتها، متعالية تعالياً صريحاً عن الشعب، في اللغة والملابس والرموز والموسيقى. وبهذه الروح، عرف رجال الدين أنفسهم بأنهم الكنيسة، وذهبوا إلى أن الناس قطيع يساق إلى حسن الخلق والخلاص بالخرافات والأساطير والعظات والمسرحيات وكل الفنون. وبهذه الروح كان القداس سراً خفياً مقصوراً فهمه على فئة قليلة، واتصالاً خارقاً بين الكاهن والرب. وكان الكاهن يرتل القداس، ومعه فرقة المنشدين من الذكور، منعزلة عن المصلين. ولكن في الإصلاح الديني فرضت الطبقات الوسطى وجودها وحقوقها، واصبح الشعب هو الكنيسة، ورجال الدين ممثليه، والقداس باللغة الوطنية، وكان لا بد أن تكون الموسيقى واضحة مفهومة، يمكن أن تقوم فيها جماعة المصلين بدور فعال، أصبح في آخر الأمر قيادياً.
وأحب لوثر الموسيقى، وقدر فن تعدد الأصوات والطباق الموسيقي، وفي ١٥٣٨ كتب متحمساً يقول:
"إذا شحذ الفن الموسيقى الطبيعية وصقلها يبدأ الإنسان يدرك
في عجب ودهشة حكمة الله العظيمة البالغة حد الكمال، في
موسيقاه الرائعة، حيث يقوم صوت واحد بدور بسيط، ويغني
حوله ثلاثة أو أربعة أو خمسة أصوات أخرى، تثب وتنطلق هنا
وهناك، تزين الدور البسيط، وكأنها رقصة تربيعية في السماء.
إن هذا الذي لا يجد في هذا معجزة تفوق الوصف من عند الله،
ليس إلا غبياً حقيراً لا يستحق أن يعتبر إنساناً" (١٠).
وكان لوثر في نفس الوقت تواقاً إلى موسيقى دينية يمكن أن تحرك مشاعر الناس، بالتحام الإيمان بالغناء عن طريق الموسيقى. وفي ١٥٢٤ تعاون مع جوهان والتر، رئيس فرقة المنشدين في الكنيسة لدى الأمير