وكان الكاستراتي، الذين كانوا يسمون آنذاك "الخصيان"- أول من أدخلوا إلى فرقة سستين، حوالي ١٥٥٠، وسرعان ما أظهر بعد ذلك غيرهم في البلاط البافاري، وكانوا يخصون الأولاد بموافقتهم، وكانوا يغرونهم بأن أصواتهم العذبة الندية ستكون أكبر نعمة وتعويض لهم عن الإنجاب والإخصاب- تلك ميزة وحشية كانت في متناول كل من يطلبها بصفة عامة.
وكانت الكنيسة- مثل أي نظام قديم معقد، لا بد أن يخسر كثيراً بأية بدعة غير موفقة- كانت تتسم بروح المحافظة في الطقوس والشعائر، حتى أكثر منها فيما يتعلق بالعقيدة. أما المؤلفون فكانوا على النقيض من ذلك، يضيقون ذرعاً بالأساليب القديمة، كما كانوا كذلك في كل العصور، وكان التجريب في نظرهم هو حياة فنهم. وكافحت الكنيسة في كل هذه القرون، لمنع التكلف في الفنون الجديدة، ورقة الطباق الفلمنكي، من أن يضعفا وقار القداس الكبير وعظمته. وفي سنة ١٣٢٢ أصدر البابا جون الثاني والعشرين قراراً صارماً ضد البدع الموسيقية والزخرفة، وأمر بأن تلتزم موسيقى القداس بالأغنية البسيطة الوحيدة، أي الأغنية الجريجورية، كأساس لها، ولا تبيح إلا التناغم الذي يمكن أن يكون مفهوماً للمصلين، وبعمق التقوى في نفوسهم أكثر مما يلهيهم عنا. وظل الأمر مطاعاً لمدة قرن من الزمان، ثم جاءت المراوغة في تنفيذه من أن بعض المنشدين الجهير (الصوت العميق الخفيض) أعلى من المكتوب بجواب واحد. واصبح هذا الجهير الزائف هو الخدعة المفضلة في فرنسا. وظهرت التعقيدات من جديد في موسيقى القداس، وبدأ إنشاد خمسة أو ستة أو ثمانية أجزاء بالفوجة والطباق، جرت فيها كلمات الطقوس الدينية الواحدة عقب الأخرى في فوضى احترافية، أو غرقت في زخارف موسيقية وضعها المغنون وفق أهوائهم. وأدى تكييف أنغام شعبية للقداس، حتى إلى إقحام كلمات بذيئة على النص المقدس. واتفق أن عرفت بعض القداسات بمصادرها العلمانية مثل قداس