الهنود الذين كثيراً ما كونا ينقلون مرضاهم إلى المعابد لمعالجتهم بالإيحاء التنويمي أو "نعاس المعبد" كما كان يحدث في مصر واليونان (٤٨) والأطباء الإنجليز الذين أدخلوا طريقة العلاج بالتنويم في إنجلترا- وهم "بريد" و"ازديل" و"إِليوتسُن""ولاشك في أن ما أوحى لهم بآرائهم تلك، وببعض خبرتهم، هو اتصالهم بالهند"(٤٩).
فالطب الهندي بصفة عامة قد تطور تطوراً سريعاً في العهدين الفيدي والبوذي، ثم أعقب ذلك قرون سار فيه التقدم بخطوات الوئيد الحذر؛ ولسنا ندري كم يدين "أتريا" و "ذانوانتاري" و "سوشوترا" لليونان، وكم تدين اليونان لهم؛ يقول "جارسن" إنه في أيام الإسكندر "كان لأطباء الهنود وجراحيهم شهرة- هم جديرون بها- بما يتميزون به من تفوق في العلم والمهارة في العمل"، وحتى أرسطو نفسه- في رأي طائفة من الباحثين- مدين لهم (٥٠) وكذلك قل في الفرس والعرب، فمن العسير أن تقطع برأي في مدى ما أخذه الطب الهندي من بغداد، ومن الطب البابلي في الشرق الأدنى عن طريق بغداد؛ فمن جهة ترى بعض طرائق العلاج مثل الأفيون والزئبق، وبعض وسائل الكشف عن حقيقة المرض مثل جس النبض، قد جاءت إلى الهند من فارس فيما يظهر؛ لكنك من جهة أخرى ترى الفرس والعرب قد ترجموا إلى لغتيهما في القرن الثامن الميلادي موسوعتي "سوشوترا" و "شراكا" اللتين كانتا قد مضى عليهما ألف عام (٥١) ولقد اعترف الخليفة هارون الرشيد بالتفوق العلمي والطبي للهنود، واستدعى الأطباء الهنود لتنظيم المستشفيات ومدارس الطب في بغداد (٥٢)؛ وينتهي "لورد آمِتهِل" إلى نتيجة هي أن أوربا الوسيطة والحديثة مدينة بعلمها الطبي للعرب بطريق مباشر، وللهند عن طريق العرب (٥٣)؛ ولعل هذا العلم الذي هو أشرف العلوم وأبعدها عن اليقين، قد نشأ في بلاد مختلفة في وقت واحد تقريباً، ثم جعل يتطور بما كان بين الأمم المتعاصرة في سومر ومصر والهند من صلات وتبادل فكري.