أصبح الشرط الوحيد في واقع الأمر، الذي لا بد من تحققه إذا ما أراد الإنسان أن يكون ذا مكانة عقلية في نفوس الناس، هي أن يعترف بالطبقات؛ حتى لقد أصبح هذا النظام هو مصدر السلطان الحقيقي في البلاد؛ معارضته تعدّ خيانة كبرى، وقبوله يغفر عن كثير من السيئات؛ وإذن فالواقع هو أن فلاسفة الهند تمتعوا بحرية أكبر جداً مما أتيح لزملائهم في أوربا الوسيطة حين سادت الفلسفة الاسكولائية (أي المدرسية)، لكن ربما كان هؤلاء الهنود الفلاسفة أقل حرية من مفكري الدولة المسيحية في ظل البابوات المتنورين الذين سادوا أيام النهضة الأوربية.
وآلت السيادة لستة من المذاهب "الأصيلة"- المؤمنة بأصول الفيدات- أو "الدارشانات"(ومعناها البراهين)، حتى لقد أصبح لزاماً على كل مفكر هندي ممن يعترفون بسلطان البراهمة، أن يعتنق هذا المذهب أو ذاك من تلك المذاهب الستة؛ وهي كلها مجمعة على طائفة معينة من الآراء تعتبر ركائز التفكير الهندي: وهي أن الفيدات قد هبط بها الوحي، وأن التدليل العقلي أقل جدارة بالركون إليه في هدايتنا إلى الحقيقة والصواب، من إدراك الفرد وشعوره المباشرين إذا ما أعد الفرد إعداداً صحيحاً لاستقبال العوامل الروحية وأرهفت نفسه إرهافاً باصطناع الزهد والتزام الطاعة مدى أعوام لمن يقومون على تهذيب نفسه؛ وأن الغاية من المعرفة ومن الفلسفة ليست هي السيطرة على العالم بقدر ما هي الخلاص منه؛ وأن هدف الفكر هو التماس الحرية من الألم المصاحب لخيبة الشهوات في أن تجد إشباعها، وذلك بالتحرر من الشهوات نفسها؛ تلك هي الفلسفات التي ينتهي إليها الناس إذا ما أتعب نفوسهم الطموح والكفاح والثراء و "التقدم" و "النجاح".