للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغفران. ولكن حتى هذا اللص الشاب، المتمرس بشئون هذه الدنيا، تروعه بعض الغرائب التي لجأ إليها بائع صكوك الغفران المتجول ترويجاً لبضاعته. يقول "يجب أن أعترف أنني-ككثيرين غيري-كنت مخدوعاً وقتها فحسبت سيدي آية في القداسة" (٦٠). وقد أدخلت هذه الرواية المرحة "أسلوب المتشرد" gusto picaresco في القصص، وابتعثت عدداً لا يحصى من الروايات المقلدة لها، والتي بلغت الذروة في أشهر قصص التشرد، وهي جيل بلا (١٧١٥ - ٣٥) لمؤلفها ألان لساج Lesage.

واعتكف مندوزا في غرناطة بعد أن نفي من بلاط فيليب الثاني لأنه جرد سيفه في جدل بينه وبين غريم، وهناك نظم أشعاراً خفيفة فيها من التحرر ما حال دون طبعها وهو حي، ثم روى قصة ثورة المغاربة في ١٥٦٨ - ٧٠ في "تاريخ حرب غرناطة" في نزاهة وإنصاف للمغاربة حبسا هذا الكتاب أيضاً عن النشر، فلم يتيسر طبعه إلا في ١٦١٠، ولم يطبع منه وقتها غير جزء واحد، واتخذ مندوزا من صالوست مثلاً يحتذيه ولكنه تفوق عليه، وسرق من تاسيتوس موضوعاً أو اثنين، ولكن يمكن القول على الجملة أن كتابه كان أول مؤلف أسباني تجاوز مجرد السرد الإخباري أو الدعاية إلى التاريخ الواقعي المفسر بإدراك فلسفي، والمعروض بمهارة أدبية. ومات مندوزا عام ١٥٧٥ وهو في الثانية والسبعين، وكان من أكثر الشخصيات تكاملاً في عصر حفل بالرجال المتكاملين.

في هذه الصفحات العجلى يدخل الضمير دائماً في سباق مع الزمن، وينبه القلم المستعجل إلى أنه، كالمسافر المسرع، إنما يمس السطح فقط. فكم من ناشرين ومعلمين وعلماء وأدباء ورعاة للعلم وشعراء وروائيين وثوار متهورين جاهدوا نصف قرن لينتجوا هذا الأدب الذي ضغطناه