ولولا أن كراناخ وفق هذا التوفيق السريع الكبير لجاز أن يكون فناناً أعظم. فكثرة رعاته وزعت عبقريته فلم يكن في وقته متسع لينصرف بكل هذه العبقرية إلى عمل واحد فقط. لذلك لم يكن بد حين جاوز الحادية والثمانين أن يعتريه الكلل والتراخي، وأصبح رسمه الذي كان في الماضي دقيقاً كرسم دورر مشوباً بالإهمال، وراح يتجنب رسم التفاصيل ويكرر نفس الوجوه والعرايا والأشجار تكراراً أفقدها الحياة. ولا مفر لنا في النهاية من أن نتفق مع الكهل دورر في هذا الحكم الذي أصدره على كراناخ الشاب- "إن لوكاس يستطيع رسم الملامح لا الروح"(١٩).
وحين بلغ الثامنة والسبعين في ١٥٥٠ رسم لنفسه صورة بدا فيها عضو مجلس المدينة والتاجر البدين أكثر منه المصور والحفار، في رأس مربع قوي، ولحية بيضاء مهيبة، وأنف عريض وعينين ممتلئتين كبرياء وقوة شخصية. وبعد ثلاثة أعوام أسلم جسده للزمن، مخلفاً ثلاثة أبناء كلهم فنانون، يوحنا لوكاس، وهانز، ولوكاس الابن الذي نقلت لوحته "هرقول النائم" موضوعاً من رابليه إلى سويفت، إذ أظهرت المارد وهو يتجاهل في هدوء تلك السهام التي أصابته بالجهد في طبقة المضغة الظاهرة من الأقزام المحيطين به. ولعل لوكاس الأب كان يتجاهل بمثل هذا الهدوء نقد الناقدين الذين نددوا به لمثله البرجوازية وعجلته التي لا يراعى فيها الذمة، وهو اليوم راقد تحت نصب قبره الذي كتبت عليه عبارة مديح تحتمل معنيين:"أسرع المصورين".
وبموته انقضى العصر الذهبي للتصوير الألماني. ولعل السبب الأساسي في هذا الانحطاط هو حدة النزاع الديني أكثر من رفض البروتستنت للتصوير الديني. ومن الجائز أن موجة من الفساد الخلقي كانت سبباً في تبذل التصوير الألماني بعد ١٥٢٠. فبدأت أجساد العرايا تلعب دوراً