للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهجة للناظرين. وفي وسعنا أن نحكم على فن هولبين حين نراه خلال سنة أو سنتين يصور في غير إحجام كبرياء الأب البدين، ثم يلتقط بمثل هذه البراعة المحيرة وداعة الابن البريئة.

وصور الفنان نفسه مرة أخرى حين بلغ الخامسة والأربعين (١٥٤٢)، وبذات الموضوعية التي رسم بها الملك: رجلاً مرتاباً مشاكساً ذا شعر ولحية وخطهما الشيب وبدا عليهما الإهمال؛ ثم مرة أخرى عام ١٥٤٣ في صورة مستديرة تظهره في حالة أرق وألطف. في ذلك العام اجتاح الطاعون لندن واختاره واحداً من ضحاياه.

كان من الناحية التقنية واحداً من عظماء المصورين. فهو يرى في تدقيق بالغ، ويرسم كما يرى، وهو يمسك بكل خط، أو لون، أو موقف، بكل زاوية أو تغير في الضوء، يمكن أن يكشف عن دلالة أو مغزى، ويثبته على الورق أو القماش أو الخشب أو الجدار … وأي دقة في الخطوط، وعمق ونعومة ودفء في الألوان، وبراعة في ترتيب التفاصيل ليؤلف بينها تأليفاً موحداً! ولكننا في كثير من اللوحات، التي لم يكن الهدف منها تصوير الشخص بل تقاضي الأجر، نفتقد ذلك التعاطف القادر على رؤية نفس الإنسان الخفية وعلى مشاركتها شعورها. هذا التعاطف نجده في صور إرزمس المحفوظة باللوفر وبال، وفي صورة أسرته، وإذا استثنينا عذراء ماير، فإننا نفتقد المثالية التي سمت بالواقعية في لوحة فان إيك "عبادة الحَمَل". وقد قصر به عدم مبالاته بالدين عن بلوغ السمو الذي بلغه جرونفالد، وأبعده عن دورر الذي ظل على الدوام محتفظاً بإحدى قدميه في العصور الوسطى. ولم يكن هولبين فنان النهضة الخالص كتيشان، ولا فنان الإصلاح البروتستنتي الخالص ككراناخ، لقد كان ألمانياً- هولندياً- فلمنكياً- إنجليزياً في واقعيته وإحساسه العملي. ولعل نجاحه حال دون دخول مبادئ التصوير الإيطالية ورقته