أما صناع أسبانيا المهرة فكثيراً ما كانوا فنانين في كل شيء ولا ينقصهم غير الاسم. فقد ظلت أشغال التخريم والجلد تحظى بأرفع مكانة في أوربا. كذلك كان النجارون لا ضريب لهم، وعند تيوفيل جوتييه أن الفن القوطي لم يدن قط من الكمال دنوه في مقاعد المرتلين بكاتدرائية طليطلة. أما المشتغلون بالمصنوعات المعدنية فقد جعلوا من حجب الهياكل، ومصبعات النوافذ، وداربزينات الشرفات، ومفصلات الأبواب، بل من المسامير، تحفاً فنية. وأحال صاغة الذهب والفضة بعض المدن النفيس المتدفق من أمريكا حلياً للأمراء وآنية للكنيسة، واشتهر من أشغالهم الآنية التي صاغوها بتخريم الفضة أو الذهب لاحتواء القربان المكرس. ولم يقنع جل فيتشنتي بمكانته زعيماً لكتاب المسرحية في البرتغال وأسبانيا في هذه الفترة، بل صنع وعاء للقربان المقدس- يخرج به الكاهن على جمهور المصلين- قيل في تقديره "انه أروع أشغال الصياغة في البرتغال"(٣٧). وواصل فرانشيسكو دي هولاندا، البرتغالي برغم اسمه، زخرفة المخطوطات ببراعة، وهي فن كان بسبيله إلى الزوال.
ويمكن القول على الجملة إن هذه الفترة التي تقل عن نصف قرن قد وفقت توفيقاً مشرفاً في مجال الفن على الرغم من استنفاد الطاقات وتمزقها في الثورة الدينية. لم يكن كبار المعماريين والنحاتين والمصورين ممن يثبتون للمقارنة بالعمالقة الذي زلزلوا باللاهوت أوربا، وكان الدين لحن العهد، وقصارى ما كان يستطيعه الفن أن يكون مصاحباً له. بيد أن إل روسو، وبريماتتشيو، وليسكو، وديلورم، وجوجون، وآل كلويه في فرنسا، وبروجويتي وابنه في أسبانيا، وبروجل في فلاندر، وكراناخ في ألمانيا، وهولبين في كل بلد- كل أولئك كانوا قائمة نبيلة من الفنانين لعهد شديد الاضطراب بالغ القصر. إن