للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التناقض اللاعقلي للأخلاق في الزمان والمكان، إذ يحدث من جراء هذا التناقض أن ما كان في زمن ما رذيلة، يعد في زمن آخر فضيلة، وما هو في مكان ما فضيلة، هو رذيلة في مكان آخر". أما الفنون والمهن قد أفسدها كما أفسد العلوم الكذب والغرور. وكل بلاط "مدرسة للعادات الفاسدة، ومأوى للشر الكريه". والتجارة غدر وخيانة. والأمناء على الأموال لصوص لصقت بأيديهم الفخاخ وفي أناملهم الخطاطيف. والحرب مذبحة للكثرة تلهو بها القلة. والطب "فن من فنون القتل الخطأ" وكثيراً ما يكون "في الطبيب والدواء من الخطر ما يفوق خطر المرض نفسه".

فما نتيجة هذا كله؟ وإذ كان العلم هو الرأي العابر السريع الزوال، والفلسفة هي التأمل المغرور في طبيعة اللانهائي من عقول حقيرة كالديدان، فبمَ يحيا الإنسان؟ بكلمة الله وحدها معلنة في الكتاب المقدس. وفي هذا الرأي رنين تبشيري، والواقع أننا نلتقي بتأكيدات عديدة لآراء أجريبا "الإنجيلية" مبعثرة وسط شكوكه. فهو يرفض سلطان البابوات الزمني، بل سلطانهم الروحي إذا خالف الكتاب المقدس. وهو يرمي محكمة التفتيش بأنها لا تقنع الناس بالمنطق والكتب المقدسة بل "بالنار والحطب"، وهو يود لو قل إنفاق الكنيسة على الكاتدرائيات وزاد على أعمال البر، ولكنه يتجاوز رجال الإصلاح الديني حين يعترف بأن كتاب العهدين القديم والجديد كانوا عرضة للخطأ. فالمسيح وحده هو المصيب والصادق دائماً، وهو وحده الذي يجب أن نثق به، وفيه الملاذ الأخير للعقل والروح.

وقد استمتع أجريبا بما أحدثته ثورته هذه من غضب، ولكنه دفع ثمن هذه المتعة غالياً خلال ما بقي له من عمر. طالبه شارل الخامس