نوح. وتغير الأدب، فأخلت قصص الفروسية القديمة مكانها لقصص الأسفار أو المغامرات في القطار النائية، وحل البحث عن الذهب محل البحث عن الكأس المقدسة في رمزية لا شعورية للمزاج الجديد. وفتحت أعظم ثورة تجارية في التاريخ (قبل أن تبلغ الطائرة مرحلة النضج) المحيط الأطلنطي وغيره من المحيطات للتجارة الأوربية، وخلفت البحر المتوسط في حالة ركود تجاري، ومن ثم ركود ثقافي تبعه بعد قليل. وانتقلت النهضة من إيطاليا إلى دول الأطلنطي. وراحت أوربا، التي كانت تملك سفناً ومدافع أفضل وسكاناً أصلب وأشد رغبة في التملك والمغامرة، راحت تفتح-وأحياناً تستعمر-البلد تلو البلد من الأقطار المكتشفة. وأكره السكان الوطنيون على العمل المتصل الشاق الذي لم يتعودوه لإنتاج السلع لأوربا، وأصبح الرق نظاماً راسخاً. وغدت أصغر القارات تقريباً أعظمها ثراءً. وبدأت حركة صبغ الكرة الأرضية بالطابع الأوربي، وهي الحركة التي قلبت قلباً حاداً في عصرنا. ووجد عقل الرجل الغربي حافزاً قوياً في بعد الشقة بينه وبين الأقطار الجديدة وفي ضخامتها وتنوعها. وربما كان لبعض تشكك مونتيني جذور في سحر الدخيل المجلوب من العادات والعقائد. واتخذت العوائد والأخلاق نسبية جغرافية أوهنت القديم من العقائد القطعية واليقينية. وكان لزاماً أن ينظر إلى المسيحية ذاتها في منظور جديد بوصفها دين قارة صغيرة تقوم وسط عالم من العقائد المنافسة. وكما أن المذهب الإنساني كشف عالماً قبل المسيح، وكما أن كوبرنيق أماط اللثام عن ضآلة الأرض الفلكية، كذلك كشف ارتياد الأراضي الجديدة وما تلاه من تجارة عن أقطار شاسعة تقوم وراء المسيحية دون اكتراث لوجودها. وتزعزعت مكانة أرسطو وغيره من اليونان حين ظهرت قلة ما عرفوا عن هذا الكوكب. واضمحل