كتاب قصة الحضارة

البابوات والمجتمع - ٢ - الرقابة ومحكمة التفتيش - ج: 27 - ص: 239

وفي عام ١٥٥٩ نشر بولس الرابع أول فهرس بابوي بالكتب المحظورة، وقد ورد فيه ثمان وأربعون طبعة مهرطقة للكتاب المقدس، وأوقع الحرم على واحد وستين طابعاً وناشراً (٢٤). وقد فرض على كل كاثوليكي الامتناع عن قراءة أي كتاب نشر منذ سنة ١٥١٩ دون أن يحمل اسمي المؤلف والطابع ومكان النشر وتاريخه، وحرمت قراءة أي كتاب بعد ذلك لم يحصل على إذن كنسي " impramtur" بطبعه. وشكا باعة الكتب وطلاب العلم من أن هذه الإجراءات معطلة لهم أو قاضية عليهم، ولكن بولس أصر على الطاعة التامة. وأحرقت آلاف الكتب في روما وبولونيا ونابلي وميلان وفلورنسة والبندقية-١٠. ٠٠٠ في البندقية في يوم واحد (٢٥). وبعد موت بولس انتقد نفر من قادة الكنيسة إجراءاته لما فيها من مغالاة في العنف وعدم التمييز، ورفض مجمع ترنت فهرسه، وأصدر تحريماً أكثر تنظيماً، هو "الفهرس الثلاثي" (١٥٦٤). وشكلت لجنة خاصة للفهرس في ١٥٧١ لمراجعة القائمة وإعادة نشرها بصفة دورية.

ومن العسير الحكم على أثر هذه الرقابة. وعند باولو ساربي، وكان راهباً سابقاً، ومعارضاً للأكليروس، أن الفهرس "هو أبدع سر كشف إلى الآن … لفرض البلاهة على الناس (٢٦) ". ولعله شارك في إحداث اضمحلال إيطاليا الفكري بعد عام ١٦٠٠، واضمحلال أسبانيا بعد عام ١٧٠٠، ولكن العوامل الاقتصادية والسياسية كانت أهم. والفكر الحر، كما يقول أقوى مؤرخ إنجليزي له، عاش في الدول الكاثوليكية خيراً مما عاش في الدول البروتستنتية، وتبين حتى عام ١٧٥٠ أن الحكم المطلق للكتب المقدسة الذي فرضه اللاهوتيون البروتستنت أشد إيذاء للبحث والتفكير المستقلين من فهارس الكنيسة ومحكمة تفتيشها (٢٧). أياً كان الأمر فإن الحركة الإنسانية ذبلت، في الدول الكاثوليكية والبروتستنتية على السواء. وخف التأكيد على الحياة في الأدب، واضمحلت دراسة اليونانية ومحبة الآداب