وفي عام ١٥٥٠ أمرت محكمة التفتيش الجديدة بمحاكمة أي كاهن كاثوليكي لا يعظ ضد البروتستنتية. فلما ارتقى كارافا نفسه عرش البابوية باسم بولس الرابع، انطلقت المؤسسة إلى العمل بكل طاقتها، "واكتسبت المحكمة بفضل صرامته الخارقة سمعة واسعة، بحيث لم يكن هناك كرسي قضاء آخر في الأرض يتوقع الناس منه إصدار أحكام أشد بشاعة وإرهاباً" على حد قول الكردينال سيريباندو (٣٠). ووسع اختصاص محكم التفتيش حتى شمل التجديف والمتاجرة بالرتب الكهنوتية (السيمونية)، واللواط، والزواج المتعدد، وهتك العرض، والقوادة، وانتهاك نظم الكنيسة في الصوم، وغير هذه من الذنوب التي لا تمت للهرطقة بسبب. ونحن نسوق أيضاً هذه الفقرة من كلام مؤرخ كاثوليكي عظيم:
"كان البابا العجول السريع التصديق يعير أذناً صاغية لكل اتهام ولو كان شديد السخف … وكان رجال محكمة التفتيش الذين لم يفتر البابا عن حضهم يشمون الهرطقة في حالات كثيرة ما كان المراقب الهادئ الحذر ليكشف فيها أثراً لهرطقة … وحرض الحاسدون والمفترون على بذل الجهد في تسقط الكلمات المريبة من شفاه رجال كانوا عمداً راسخة للكنيسة ضد المبتدعين، وعلى تلفيق تهم الهرطقة لهم … وبدأ عصر إرهاب فعلي ملأ روما كلها بالخوف"(٣١).
وفي قمة هذا العنف (٣١ مايو ١٥٥٧) أمر بولس بالقبض على الكردينال جوفاني موروني، أسقف مودينا، وفي ١٤ يونيو أمر الكردينال بولي بأن يتخلى عن سلطة الممثل البابوي في إنجلترا ويحضر إلى روما ليواجه محاكمته بتهمة الهرطقة. وقال البابا إن مجمع الكرادلة نفسه سرت إليه دعوى الهرطقة. أما بولي فقد بسطت عليه الملكة ماري حمايتها ومنعت تسليم الاستدعاء البابوي له. وأما موروني فقد اتهم بأنه وقع اتفاق راتسبون حول عقيدة التبرير بالإيمان، وبأنه تهاون مع المهرطقين الداخلين في