البيورتانية نتيجة لقيام أخلاقية قاتمة واعية. وانتعشت الديرية. وكانت خسارة للنوع الإنساني، من وجهة نظر العقل الحر، أن تقضي الرقابة الكنسية والسياسية على حرية الفكر النسبية التي سادت أيام النهضة، وكانت مأساة أن تعاد محكمة التفتيش في إيطاليا وغيرها من البلاد في الوقت الذي أخذ العلم ينبثق فيه محطماً قشرته الوسيطة، وضحت الكنيسة عن عمد بالطبقات المفكرة في سبيل الأكثرية المتدينة التي صفقت لقمع أفكار قد تذيب إيمانها المعزي.
كانت الإصلاحات الكنسية حقيقية ودائمة. وإذ كانت الملكية البابوية قد رفع مقامها فوق الأرستقراطية الأسقفية للمجامع، فإن هذا كان يساير روح العصر، حيث كانت الأرستقراطيات في كل بلد، عدا ألمانيا، تفقد سلطانها ليتقلده الملوك. وأصبح البابوات الآن أرق من الأساقفة خلقياً، وأمكن تنفيذ النظام الذي تطلبه الإصلاح الكنسي على يد سلطة ممركزة خيراً من سلطة مقسمة، وأنهى البابوات محاباتهم لأقربائهم، وشفوا الإدارة البابوية من تسويفاتها الباهظة الثمن ورشوتها المفضوحة. وأصبحت إدارة الكنيسة بشهادة من فحصوا هذا الأمر من غير الكاثوليك نموذجاً للكفاية والنزاهة (٥١). وأدخل استعمال مقصورة الاعتراف المظلمة (١٥٤٧) وجعل إجبارياً (١٦١٤)، ولم يعد القسيس عرضة لأن يفتنه جمال بعض المعترفات. أما باعة صكوك الغفران الجائلون قد اختفوا، وأما الصكوك فقد خصصت في معظم الحالات للعبادة الورعة ولأعمال البر لا التبرعات المالية، وبدلاً من أن يتقهقر رجال الأكليروس الكاثوليك أمام زحف البروتستنت أو الفكر الحر، انطلقوا ليعيدوا اقتناص فكر الشباب وولاء السلطان. وأصبحت روح اليسوعيين، تلك الروح الواثقة، الإيجابية، النشيطة، المدبرة على النظام، هي روح الكنيسة المجاهدة.
لقد كان شفاء الكنيسة في جملته شفاءً مذهلاً، وثمرة من أروع الثمرات التي جادت بها حركة الإصلاح البروتستنتي.