وانك إذا رأيت أن ثمة شيئاً ضرورياً يجب إبلاغي إياه سراً فستفضي به إلي وحدي، وتأكد أني لن أعجز عن التزام الصمت في مثل هذه الحالة، ومن ثم فأني أعهد إليك بهذه المهمة (٦)".
واحتفظت به سكرتيراً لمدة أربعة عشر عاماً، كانت بمثابة امتحان لأمانته وكفايته، عينته بعدها وزيراً للخزنة لمدة ست وعشرين عاماً أخرى، حتى وفاته. ولقد رأس مجلس شورى الملكة، وأدار دفة العلاقات الخارجية، والشئون المالية العامة والدفاع الوطني، وقاد خطى إليزابث في تدعيم المذهب البروتستانتي في إنجلترا. انه، مثل ريشيليو، اعتبر أن سلامة بلاده واستقرارها يتطلبان الحكم الملكي المطلق الذي يعمل على التوحيد، في مواجهة النبلاء المتناحرين والتجار الجشعين، والعقائد التي يحاول بعضها القضاء على بعض، وكل أولئك يعمل على التفريق والتمزيق. واتبع بعض أساليب مكيافيللي، وقليلاً ما كان قاسياً، ولكنه أخذ المعارضة بلا رحمة وبلا هوادة (٧)، وفكر مرة في قتل ارل وستمورلند (٨)، وكان ذلك في لحظة نفد فيها الصبر، حانت في نصف قرن من التشبث الصابر والاستقامة الشخصية. وكان له عيون وجواسيس على كل شيء ولكن اليقظة الباطنية هي ثمن السلطة والقوة. وكان مقتصداً مولعاً بالكسب، ولكن إليزابث غفرت له ثراءه لقاء حكمته، وأحبت فيه التقتير الذي أعد الوسائل لقهر الأرمادا، ولولاه لكان من المحتمل أن تضللها المظاهر البراقة والمغرورون المبذرون مثل ليستر وهاتون واسكس. وقال السفير الأسباني في تقرير له: "إن ذكاء سيسل يفوق كل ذكاء سائر أعضاء المجلس مجتمعين، ومن ثم فهو موضع حسد الجميع وكراهيتهم (٩)". وأصغت إليزابث أحياناً إلى ما يقوله عنه أعداؤه، فعاملته من حين لآخر في خشونة وجفوة إلى حد أنه كان يخرج من حضرتها محطماً باكياً، حتى إذا هدأت سورة غضبها أدركت أنه أثبت دعامة ملكها. وفي ١٥٧١ عينته "لورد برجلي " Burghley، أي زعيم الأرستقراطية الجديدة التي وقفت في وجه النبلاء المعادين، فدعمت عرشها ورفعت من شأن مملكتها.
ويستحق صغار معاونيها أن نلم بهم في بضعة سطور في هذه العجالة التاريخية. لأنهم خدموها بكفاية وشجاعة، ولم يجزوا الجزاء الأوفى، حتى أفنوا حياتهم في