وقل أن دعت إليزابث البرلمان، وعلى مضض منها، لمساعدتها من الناحية المالية، لأنها لم تكن تطيق المعارضة أو النقد أو المراقبة، ولم تؤمن قط بنظريات سيادة الشعب أو البرلمان. وآمنت مع هوميروس وشكسبير بأن رأساً واحداً هو الذي يجب أن يتولى الحكم-ولم لا يكون رأسها هي، الذي جرى فيه دم هنري الثامن وتألقت كبرياؤه؟ وتمسكت بحقوق الملوك والملكات الإلهية. وأودعت بعض الأفراد السجون بمحض إرادتها هي دون محاكمة، أو سبب واضح، وكان مجلس الشورى ينعقد على هيئة محكمة عليا لمحاكمة المجرمين السياسيين، يعطل، دون استئناف، حقوقهم في المعارضة وفي قانونية حبسهم، أو في محاكمتهم أمام المحلفين (١٢). وعاقبت أعضاء البرلمان الذين اعترضوا سبيلها في تحقيق أهدافها. وأوحت إلى الأقطاب المحليين الذين يديرون شؤون الانتخابات النيابية ويؤثرون فيها، أنه مما ييسر الأمور أن يختاروا مرشحين ليس لديهم نزعات صبيانية في حرية الكلام، إنها طمعت في الحصول على المال دون أن يناقشها أحد الحساب! واستسلمت برلماناتها الأولى إلى هذا الوضع بلباقة، وخضعت البرلمانات غاضبة في أواسط عهدها، أما بعد ذلك فقد قاربت البرلمانات أن تثور.
وتغلبت إرادتها لأن الأمة آثرت حكمها المطلق الحكم على عنف الأحزاب التي تتنافس على السلطة، ولم يفكر أحد في أن يدع الشعب يحكم، وكانت السياسة-وهي كذلك دائماً-صراعاً بين الأقليات، على أيها يحكم الأغلبية. واستاء نصف إنجلترا من سياسة إليزابث الدينية، واغتاظت كل إنجلترا تقريباً من عزوبتها، ولكن الناس في جملتهم، وهم يحمدون الضرائب المنخفضة والتجارة المزدهرة، والنظام في الداخل، والسلام الذي طال أمده، بادلوا الملكة حباً بحب. لقد أقامت لهم المهرجانات، وقامت بجولات ملكية بينهم، واستمعت إليهم دون أن يظهر عليها أي امتعاض، وشاركتهم ألعابها العامة، وبمائة أسلوب آخر تصيدت قلوب الناس (١٣)". وكتب السفير الأسباني، وهو يذوب حسرة على اعتناقها البروتستانتية، إلى الملك فيليب يقول: "إنها أشد التصاقاً بالأهالي، وهي على ثقة من انهم جميعاً إلى جانبها، وهذا هو الحق بعينه (١٤) ". وزادت المحاولات