وفي كتاب توماس مورلي:"مقدمة واضحة ميسرة عن الموسيقى العملية" جاء ذكر رجل إنجليزي خيالي ساذج غير مثقف، يعترف بخجله وعاره، فيقول:
"بعد العشاء جيء بكتب الموسيقى، كما كانت العادة، وقدمت إلى سيدة البيت شيئاً منها، وطلبت في رفق أن أغني، فاعتذرت كثيراً، وامتنعت، وقلت وأنا صادق فيما أقول، إني لا أعرف، فتعجب كل الحاضرين، وتهامسوا متسائلين: كيف نشأ هذا الرجل؟ (٥١) ".
وكانت حوانيت الحلاقين تقدم للزبائن المنتظرين آلات موسيقية ليعزفوا عليها. وكانت الموسيقى في عهد إليزابث، في معظمها، علمانية، وبقي بعض الملحنين، من أمثال طاليس وبيرد وبل، على مذهبهم الكاثوليكي برغم القوانين، وألفوا الموسيقى للطقوس الرومانية، لو أن تلك التأليف لم تكن تعزف علناً. واعترض كثير من البيوريتانيين على موسيقى الكنيسة باعتبار أنها تشتت أذهان المصلين وتصرفهم عن التقوى. وأنقذت إليزابث والأساقفة موسيقى الكنيسة في إنجلترا، كما أنقذها بالسترينا ومجلس ترنت في إيطاليا. وساندت الملكة بعزيمتها المعهودة الملكية والكاتدرائيات. وأصبح كتاب الصلوات العامة، مرجع النصوص الموسيقية الهائل للملحنين الإنجليز، وكانت الصلوات الأنجليكانية تنافس الصلوات الكاثوليكية في القارة في فخامة فن تعدد الألحان ووقاره. وحتى البيوريتانيون أنفسهم، منتهجين نهج كلفن، أقروا إنشاد جماعات المصلين للترانيم. وسخرت إليزابث منهم قائلة:"إن جنيف ترقص، أما هؤلاء فقد ارتقوا إلى مستوى التراتيل والتسابيح الكريمة".
ولما كانت الملكة تحمل بين جنبيها روحاً دنيوية دنسة، مولعة بالغزل والملق والملاطفة والتودد، فقد كان من المعقول أن تكون القصيدة الغزلية هي مفخرة الموسيقى في عهدها- أغنية حب في طباق موسيقى- وهي جزء من أغنية لا تصاحبها آلات الموسيقية. ووصلت القصيدة الغزلية من إيطاليا ١٥٥٣، ففتحت الطريق.