يأكل بعضهم بعضاً. وهو يصاب بالجنون وهو يرى عمق الشر وانتصاره الواضح. وهو يضع كل إيمانه وثقته "بالعناية الإلهية" التي تشد من أزره وتأخذ بيده.
وتصل رواية "أنطوني وكليوبطرة" إلى آفاق وأعماق أقل. وثمة شيء أنبل في هزيمة أنطوني منه سورة غضب لير، شيء أكثر تصديقاً واحتملاً في افتتان الرومان بالملكة المصرية منه في قساوة البريتون البغيضة مع ابنة صريحة صراحة حمقاء، وفي جبن كليوبطرة في الحرب، وروعتها في الانتحار. وهنا كانت لدى شكسبير روايات سابقة يعمل على أساس منها، فتناول أيضاً بالتحسين، وجدد في القصة التي طال ترديدها، وزادها إشراقاً وتألقاً، بتحليل أدق للخلق، وبسحر بيانها المتلألئ الذي لا يعرف الكلل. أما التشاؤم في رواية "تيمون الأثيني"(١٦٠٨؟) فهو تشاؤم تهكمي، لم يتخلص منه. ويصوب لير سهامه إلى نساء، ولكنه يحس ببعض الرثاء المتأخر للبشر، ويحتقر بطل "كوريولانس" الناس على أنهم النتاج المتقلب الذليل الأبله للإهمال والطيش، ولكن تيمون يذم الجميع رفيعهم ووضيعهم، ويصب اللعنة على المدنية نفسها على أنها أفسدت أخلاق البشر. وكان بلوتارك فيسيرة أنطوني قد ذكر تيمون على أنه مبغض للبشر مشهور، وكان لوشيان قد أورده في حوار، كما كانت رواية إنجليزية قد ألفت عنه قبل أن يأخذ شكسبير الفكرة مع مساعد مجهول بثماني سنوات. وكان تيمون ثريا (مليونير) أثينيا يحيط به أصدقاء متملقون متفتحون يسارعون إلى تقبل أفكاره، وعندما يفقد ماله، ويرى أصدقاءه يختفون بين عشية وضحاها، ينفض غبار المدينة عن قدميه ويأوى-جاداً صارماً-إلى العزلة في غابة، حيث يأمل أن "يجد أشد الحيوانات وحشية أكثر رفقاً وشفقة من بني الإنسان (١٦) " وهو يتمنى لو "أن ألسبيادس" كان كلباً "حتى أكن لك شيئاً من الحب (١٧) " ويعيش على جذور الشجر، وينقب فيجد ذهباً، وهنا يظهر الأصدقاء من جديد فيطردهم ويحتقرهم ويهجوهم ألذع هجاء. ولكن عندما تأتي العاهرات وبنات الهوى ينفحهن بالذهب، شريطة أن ينقلن الأمراض التناسلية إلى أكبر عدد ممكن من الرجال: