وهكذا حزن لأنه يرى كيف أن هذه الأرض "عرجاء مشلولة"، وكانت يوماً مشهد الافتداء السماوي. والآن في الفلك الجديد، مجرد "ضاحية" للدنيا. وفي إحدى حالاته النفسية نراه يمجد "الظمأ المقدس إلى العلوم". وفي حالة أخرى يتساءل متعجباً هل سينتهي العلم بالجنس البشري إلى الدمار.
إنا نحارب أنفسنا بالأمراض الجديدة
وبالفيزياء الجديدة هناك آلة جديدة للحرب أسوأ كثيراً (٥٩).
وكذلك تحول إلى الدين. فان تكرار إصابته بالأمراض والعلل، والموت المشئوم لأصدقائه الواحد بعد الآخر، انتهيا به إلى خشية الله، فانه، ولو أن عقله ظل يحاول في اللاهوت، فانه كان قد تعلم ألا يثق في العقل كذلك، على أنه عقيدة أخرى، وقرر أن المذهب القديم يجب قبوله دون مزيد من النقاش، إذا كان يوفر هدوء البال ولقمة العيش. وفي ١٦١٥ صار قسيساً إنجليكانياً، ولم يقتصر حينئذ على إلقاء المواعظ في نثر كئيب مؤثر، ولكنه نظم كذلك بعضاً من أكثر الأشعار الدينية تأثيراً في اللغة الإنجليزية. وفي ١٦١٦ عين قسيساً خاصاً لجيمس الأول، وفي ١٦٢١ أصبح رئيس كهنة سانت بول. ولم ينشر قصائده الغنائية الجنسية التي نظمها في شبابه، ولكنه كان قد سمح بتداول نسخ مخطوطة منها، أما الآن فانه-كما روى جونسون "يندم أشد الندم، ويسعى إلى إعدام كل قصائده (٦٠) ". وكتب بدلاً منها "قصائد مقدسة من نوع السونيت"، وتحدى الموت. وهو يصفر في الظلام.
أيها الموت. لا تزه ولا تتكبر، ولو أن بعضهم قد أسموك
جباراً رهيباً، لأنك لست كذلك.
لأن هؤلاء الذين تظن أنك صرعتهم
لا يموتون. أيها الموت الحقير، إنك كذلك لن تستطيع أن تصرعني …
لقد انقضت غفوتنا القصيرة، ولسوف نكون في يقظة أبدية،
ولن يكون ثمة موت بعد الآن، ولسوف تموت أنت أيها الموت (٦١).
وبعد أن أبل من مرض شديد، كتب في مذكراته في ١٦٢٣، سطوراً مشهورة: "إن موت أي رجل يهد من كياني لأني جزء متشابك في الجنس البشري، ومن ثم لا أرسل