للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاديين تستأجرهم الأبرشية لإلقاء عظة يوم الأحد، بالإضافة إلى ما يلقيه الكاهن المعتاد. ونهض معظم الوعاظ البيوريتانيين بمهمتهم في جدية بالغة فأرهبوا مستمعيهم بأوصاف الجحيم، واتهم بعضهم الآثمين علناً بالاسم، وأفصح واحد منهم عن مدمني الخمر في شعب الكنيسة، وضرب، وهو يتحدث عن البغايا، مثلاً بزوجة أحد أهالي الأبرشية المشهورين، وقال آخر لمستمعيه إنه إذا كان الزنى والحلف والغش وإغفال طقوس يوم الراحة، إذا كانت هذه كلها تؤدي بالإنسان إلى الجنة، فسيكتب الخلاص للأبرشية بأسرها (١٧). وأحس القساوسة البيوريتانيون أن من واجبهم أن يصفوا الناس-أو يحرموا عليهم-قواعد السلوك، وأنواع اللباس ووسائل التسلية، فحرموا الاحتفال بأيام العطلة أو الأعياد في الأعراف الوثنية أو الكنيسة الكاثوليكية، وبذلك أضافوا نحو خمسين يوم عمل إلى السنة (٢٨). ودوت صيحة الواجب في الخلق البيوريتاني، مقترنة بغرس الشجاعة والاعتماد على النفس والحزم والاقتصاد والعمل في النفوس، وكان هذا نظاماً أخلاقياً يلتئم مع الطبقة الوسطى، فأنه حث على العمل الجاد النشيط، وأجاز من الوجهة الدينية المشروعات والمغامرات التجارية والملكية الخاصة. وكان الفقر، لا الغنى، في نظرهم، هو الخطيئة، لأنه ينم على الافتقار إلى الخلق الشخصي وإلى نعمة الله (٢٩).

وكان البيوريتانيون، من الناحية السياسية، يتوقون إلى حكومة دينية ديمقراطية، لا يكون فيها بين الناس إلا فروق أخلاقية ودينية، ولا يكون فيها حاكم غير المسيح. ولا قانون سوى كلمة الله. وكرهوا الضرائب الباهظة التي تعول الكنيسة الأنجليكانية. وشعر رجال الأعمال منهم أن هذه الكنيسة الرسمية العليا الباهظة النفقات تحلبهم وتستنزف أموالهم. وقال أحد المؤلفين "إن هذه الهاوية الأسقفية تلتهم تجارة الأمة" (٣٠). ودافع البيوريتانيون عن الثراء، ولكنهم احتقروا الترف الخامل الذي كان يرفل فيه النبلاء، وتمسكوا بالأخلاقيات إلى حد التطرف، كما فعلت الأجيال التالية بالحرية. ولكن ربما كانت مبادئهم القاسية تصحيحاً ضرورياً للانحلال الخلقي في عصر إليزابث. وأنجبوا بعضاً من أقوى الشخصيات في التاريخ-كرومل وملتون، والرجال الذين فتحوا الفيافي والقفار الأمريكية.