للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البروتستنتي. وكان الفلاحون الصابرون يكدحون ويصلون، والرهبان اللذين يفوقون الحصر يتعبدون، أما التجار ففقدوا الجاه والثروة، وأما النبلاء فضيعوا الحياة جريا وراء الألقاب وتعلقا بمظاهر البذخ والترف.

ومع ذلك أنجبت إيطاليا وسط هذا الانهيار السياسي جاليليو أعظم العلماء في جيله، ووهبت العالم فلسفة برونو الجريئة البعيدة النظرة، وهبته برنيني أعظم مثالي العصر، ومونتيفردي أكثر مؤلفيه الموسيقيين أثرا، ووهبته أشجع مبعوثيه الدينيين، وواحدا من أعظم الشعراء الإيطاليين هو تاسو، كذلك وهبته- في بولونيا ونابلي وروما- مذاهب في التصوير لا ضريب لها إلا في الأراضي المنخفضة الوافرة الثراء. وهكذا ظل لواء الثقافة معقوداً لإيطاليا.

أ- في سفوح الألب

يطيب لنا ان نجوس من جديد خلال تلك الحديقة وقاعة الفن المسماة إيطاليا، ولو بالفكر والقلم، وأن نمر بها ولو مرور الكرام. فأما تورين فقد غدت عاصمة كبيرة تحت حكم كفء على رأسه ايمتنويل فيليبرت، وبفضل تشجيع زوجته مرجريت الأميرة الفرنسية السافواوية للأدب والفن. وأما ميلان فظلت محتفظة بأبهتها على الرغم من خضوعها لأسبانيا. قال ايفلين عام ١٦٤٣ في وصفها:

"انها من افخم مدن اوربا، ففيها ١٠٠ كنيسة، و ٧١ ديرا، ٤٠. ٠٠٠ من السكان. فيها القصور الباذخة، وفيها الفنانون النادرون (١) " وبعد أن دمرت النار داخل باسيلقا سان لورنزو ماجيوري (١٥٧٣) عهد كارلو بوروميو، مطران ميلان الورع، إلى مارتينو باسي ببناء داخلها وفق الطراز البيزنطي الرائع الذي بنيت به كنيسة سان فيتالي في رافنا. وبنى الكردينال فيديريجو بوروميو، وهو ابن أخي كارلو، قصر أمبروز (١٦٠٩)، وشيد فيه مكتبة أمبروز الشهيرة. أما قصر بريرا، الذي بدئ تشييده عام ١٦١٥ ليضم كلية لليسوعيين، فقد أصبح منذ عام ١٧٧٦ مقرا لأكاديمية الفنون الجميلة، ومنذ عام ١٨٠٩