أرباح تجارة الرقيق التي اصبحت الآن تسئ إلى سمعة البرتغال واسبانيا وإنجلترا، أما أملاكها في البر- وهي فنشنزا وفيرونا وتويسته وترنت واكويلا وبادوا- فقد أثرت وكثر سكانها، وأما صناعتها فقد واصلت تفوقها في الزجاج والحرير والمخرمات والطرف الفني المترفة. كذلك كان لمصرفها المسمى "بانكو دي ريالتو" والذي أنشأته عام ١٥٨٧ بعد أن اخفق كثير من المصارف الخاصة، الفضل في دهم البنادقة بقوة الدولة، وكان المثال الذي احتذته بلاد أخرى في إنشاء مؤسسات مماثلة في نورمبرج وهمبورج وامستردام. وقد تعجب الرحالة من جمال عمارتها، وفتنة نسائها، ونظافة شوارعها، وثبات حكومتها في حزم وإصرار.
استهدفت سياستها الخارجية فقط حفظ توازن القوى بين فرنسا وأسبانيا مخافة ان تبتلع احداهما الجمهورية التي لم تعد قوية الباس كما كانت من قبل. ومن هنا مبادرتها إلى الاعتراف بهنري الرابع ملكا على فرنسا دعما لبلد مزقته الحرب. وفي عام ١٦١٦ اشترك الدوق اوزونا، نائبملك اسبانيا في نابلي، مع السفير الاسباني في البندقية، في مؤامرة للاطاحة بمجلس شيوخها واخضاع الجمهورية لحكم أسبانيا. وبارك فيليب الثالث المشروع، ولكنه جريا على اسلوب الحكومات المهذب، أمر أوزونا بالمضي فيه "دون أن تدع أحداً يعلم أنك تنفذه بعلمي، وتظاهر بأنك تتصرف دون أوامر مني (٣) ". غير أن حكومة البندقية كانت تستخدم أبرع الجواسيس في أوربا، فكشفت المؤامرة، وقبض على المتآمرين المحليين، وذات صباح تعلم الناس درسا ينفعهم، إذ رأوهم يتدلون من المشانق في ميدان القديس مرقس، محدقين في الحمائم السعيدة بعيون انطفأ نورها.
هذه الاولجركية الهادئة الصارمة، التي اتجرت مع الناس من جميع العقائد، ومنحتهم الحرية الدينية، كان موقفها من البابوية مستقلاً على نحو ملحوظ. جبت الضرائب من رجال الدين، واخضعتهم للقانون المدني، وحظرت بغير موافقتها بناء أي معابد أو أديار جديدة ونقل ملكية الأراضي