الملايين من الناس خارج أسبانيا يتكلمون الأسبانية، وفي كثير من الأقطار تعلمت الطبقات المثقفة اللغة الأسبانية كما تعلمت بعد ذلك اللغة الفرنسية في القرن الثامن عشر. كذلك زينت العمارة الأسبانية المدن في خمس قارات.
وبلغ عدد سكان أسبانيا الآن ثمانية ملايين. واضمحلت الزراعة بتحويل المزيد من الأرض إلى مزارع للأغنام لإنتاج الصوف. وقد بلغ عدد عمال النسيج في طليطلة وحدها خمسين ألفاً حوالي عام ١٥٦٠، وحفزت مطالب المستعمرات الأسبانية صناعات اسبانيا، وأصبحت أشبيلية من أهم الثغور في أوربا، وأرسلت المستعمرات نظير ذلك الشحنات من الفضة والذهب. ورفع تدفق المعادن النفيسة الأسعار رفعاً جنونياً-فبلغت نسبة الغلاء في الأندلس ٥٠٠ في المائة في القرن السادس عشر، وصعدت الأجور لتلحق بتكاليف المعيشة في سباق محموم اصبح في النهاية عديم الجدوى. وكان كثير من الصناعة يقوم على أكتاف المغاربة (المورسكو) - وهم المسلمون الذين اعتنقوا المسيحية ظاهرياً. اما الخدمة في البيوت فألقى أكثر عبئها على العبيد المأسورين في الغارات على أفريقيا أو في الحروب التي شنت على «الكفار». لقد كان عامة الأسبان يحتقرون العمل ويقنعون بالقليل في تفلسف، فالنوم في كوخ، والاصطلاء في الشمس، ومداعبة القيثارة، والبكاء على شح الحسان-ذلك خير من الكدح والعرق شأن العبيد أو المسلمين. وقد ساهم طرد المغاربة عام ١٦٠٩ مع غلاء المنتجات الأسبانية في اضمحلال الصناعة في أسبانيا.
وكان طرد اليهود عام ١٤٩٢ قد ترك فراغاً في بناء اسبانيا التجاري والمالي. وأصبح الجنوبيون والهولنديون أهم النقلة لتجارة أسبانيا الخارجية. أما أسبانيا التي كان يحكمها نبلاء تمرسوا بالدبلوماسية والحرب أكثر مما تمرسوا بشئون الاقتصاد، فقد تركت ثروتها تعتمد على استيراد الذهب، وازداد ثراء الحكومة حيناً بينما ظل الشعب في فقره، ولكن كثيراً من هذا الذهب كان ينزح لاستخدامه في الحرب، أو يأخذه التجار الأجانب