لطيفاً، كريماً مع الفنانين والمؤلفين والنساء؛ بل نصف قديس كأبيه؛ بل مستمتعاً بالطعام، والجنس؛ والتمثيليات، والصور؛ وحياة البلاط، والصيد، عازماً على أن ينهل من الحياة ما استطاع حتى في بلد محتضر كأسبانيا.
ولعل استطابته الخالصة للحياة هي صاحبة الفضل في ازدهار الشعر والدراما؛ والتصوير والنحت، في عهده ازدهارا لم تشهد اسبانيا له نظيرا من قبل ولا من بعد. كان إذا بدت لذاته مشتطة في فوضاها استكثر من الصلوات؛ واعتمد على نياته الطيبة في أن تعبد له الطريق إلى السماء. أنجب من الأطفال غير الشرعيين اثنين وثلاثين، أعترف منهم بثمانية (٤٥). وإذا لم يكن في وقته متسع لشئون الحكم، فقد فوض بسلطاته وواجباته رجلاً من أبرز الشخصيات في دبلوماسية القرن السابع عشر.
هذا الرجل-الدوق جاسبار دي جوزمان، كونت أوليفاريس- جرت حياته موازية ومعارضة لحياة ريشليو. فقد لعب هذا الكونت العظيم مع الكردينال الداهية، طوال واحد وعشرين عاما (١٦٢١ - ٤٢)، لعبة دامية من الذكاء والحرب للتسيد على أوربا. وقد أطلعنا فيلاسكويز على شخصية أوليفارس- رجل خلا من الخوف والملامة، فيه كل عدوان القوة، تلتف شواربه الكبيرة المشذبة كأنها سيف معقوف رهيب، وعباءات منصبه وأحزمته وسلاسله ومفاتيحه تنطق بالسلطة (٤٦). أما العيوب التي شابت خلقه، وهي الغطرسة والنزق والعناد الشديد؛ وعكوفه الشديد على خدمة أسبانيا. وأمانته الصريحة في بيئة فاسدة، واحتقاره للذات الدنيا إلا ان تكون سبيلا لإرباك الملك، وقصده في الطعام وبساطة حياته الخاصة؛ ومساندته الحارة للآداب والفنون. وقد ناضل مخلصا للتخفيف من الرذائل، واوقف الرشوة، ولرد الأموال المختلسة إلى الخزانة؛ وللتقليل من نفقات بلاط الملك؛ ولفرض الاقتصاد والاعتدال