أوحى بها أول أمرها إيحاء؛ وبعده بمائة عام، كتب "بهافابهوتي"- وهو برهميٌّ من برار- ثلاث مسرحيات غرامية، لا يفوقها جودة إلا مسرحيات "كاليداسا" في تاريخ المسرح الهندي؛ وكان أسلوبه- رغم ذلك- مزخرفاً غامضاً، فكان لزاماً عليه أن يقنع بنظّارة محدودة العدد، وبالطبع قد ادّعى أن تلك النظارة القليلة ترضيه؛ وقد كتب يقول:
"ألا ما أقل ما يدريه أولئك الذين يقرعوننا باللوم؛ إن مسرحياتي لم تكتب لتسليتهم، فليس بعيداً أن يكون بين الناس شخص، أو ربما يوجد شخص في مقبل الأيام، له ذوق شبيه بذوقي، لأن الزمان مديد والعالم فسيح الأرجاء"(٥٦).
يستحيل علينا أن نضع الأدب المسرحي في الهند، في منزلة واحدة مع مثيله في اليونان أو في إنجلترا أيام اليصابات؛ لكنه يقارن مع المسرح في الصين أو اليابان فيكون له التفوق؛ كلا لا يجوز لنا أن نبحث في أدب الهند عما يطبع المسرح الحديث من ألوان الفن الدقيق، فهذه الألوان عرض من أعراض الزمن، أكثر منها حقيقة أبدية، وربما زالت، بل ربما تحولت إلى ضدها؛ إن الكائنات الخوارق للطبيعة، في المسرحية الهندية غريبة على أذواقنا، مثل "القدر" في أدب "يوربيديز" المتنور؛ لكن هذا الجانب أيضاً عرض من أعراض التاريخ؛ أما أوجه الضعف في المسرحية الهندية (إذا جاز لأجنبي أن يذكرها في تردد) فهي التكلف في الصيغة اللفظية التي يشوهها تكرار الحرف الواحد ليمثل الصوت المعبَّر عنه وتفسدها الألاعيب اللفظية، وتصوير الأشخاص بلون واحد للشخص الواحد، فإما أن يكون الشخص خيراً صرفاً، أو أن يكون شراً صرفاً، وحبكة الحوادث حبكة لا يقبلها العقل، مستندة إلى مصادفات لا يمكن تصديقها؛ وإسراف في الوصف وفي النقاش حول الفعل الذي يكاد يكون بحكم التعريف الوسيلة الفريدة التي تتميز بها المسرحية في نقل ما تريد أن تنقله؛ وأما حسنات المسرحية الهندية فما فيها من خيال